بعد عقد مجلس نواب الشعب يوما برلمانيا حول مشروع قانون المالية لسنة 2018، شاركت لجنة المالية والتخطيط والتنمية يوم أمس في أشغال ندوة حوارية حول مشروع قانون المالية لسنة 2018 والميزان الاقتصادي، بحضور ممثلين عن الكتل البرلمانية بمجلس نواب الشعب وممثلين عن وزارة المالية وممثلين عن المنظمات المهنية ووخبراء اقتصاديين وذلك بمبادرة من منظمة «سوليدار تونس».
انتقاد للميزان الاقتصادي
وعلى إثر الانتقادات الموسعة حول مشروع قانون المالية سواء من قبل الأحزاب الممثلة في الحكومة أو في المعارضة، وكذلك من قبل المنظمات المهنية والمجتمع المدني، حاول المشاركون في هذا اللقاء تقديم عديد المقترحات والحلول من أجل التوافق حول مشروع قبل الانطلاق في مناقشة الفصول فصلا فصلا خلال هذا الأسبوع. وفي هذا الإطار، اعتبر المشاركون في اللقاء أن الميزان الاقتصادي لسنة 2018 اعتمد تطورا كبير ا في تكوين رأس المال الثابت، حيث تم اعتماد هذا الارتفاع خاصة على مستوى الصناعات غير المعملية والصناعات المعملية، وهو ما من شأنه أن يسرع في نسق النمو في السنوات المقبلة إلا أن الاستثمارات في التجهيزات الجماعية ستشهد ركودا بالأسعار الجارية وهذا يحول دون تدارك الاخلالات الهيكلية للاقتصاد الأمر الذي سينعكس سلبا على الاستثمار العمومي. في المقابل، قال وزير التنمية والاستثمار زياد لعذاري أنّ مشروع قانون المالية 2018 تضمن عددا من الحلول للمساهمة في النهوض بالاقتصاد وإصلاح وضعية المالية العمومية. وتتمثل هذه الحلول في دفع الاستثمار بنسبة تتجاوز الـ 20 بالمائة من الناتج الداخلي الخام وتخصيص 5100 مليون دينار لإنجاز مشاريع استثمارية وتفعيل الشراكة بين القطاع العام والخاص. كما شدد الوزير على ضرورة التعبئة لمساندة المشروع الإصلاحي والاتفاق على الوجهة الأساسية للبلاد، قائلا ‘ يجب إيجاد الحلول وجزء منها موجود في مشروع قانون المالية لسنة 2018 وجزء آخر شمل إصلاحات أخرى.
عديدة هي الانتقادات الموجهة ضد الميزان الاقتصادي، خصوصا في ما يتعلق بارتفاع الضغط الجبائي على المؤسسات مقابل تراجع تونس في الترقيمات الدولية فيما يخص مناخ الاستثمار، بالإضافة إلى أن انخفاض نسبة الاستهلاك من الناتج المحلّي الخام رغم ما ورد بالميزان الاقتصادي من إجراءات لتقليص الاستهلاك، لكن هذا الأمر سيقلص من الاستهلاك الخاص أكثر مما هو متوقع ضمن الميزان الاقتصادي. وبخصوص المخطط التنموي، فقد اعتبرت المنظمة أن حصر العجز الجاري في حدود 5.2 % من الناتج المحلي الخام في أفق 2020 هدف مازال بعيد المنال باعتبار أن الميزان الاقتصادي لسنة 2018 حدد نسبة عجز بــ 8.2 % من الناتج المحلي الخام. ويهدف مخطط التنمية 2016 - 2020 إلى حصر عجز الميزانيـة في حدود 3.5 % من الناتج المحلي الخام في أفق 2020 وحصر الضغط الجبائي في حدود 21 %. وللتخفيض في نسبة العجز إلى 4.9 % سنة 2018 اعتمد قانون المالية على الترفيع في نسبة الضغط الجبــائي إلى 22 % من الناتج المحلي الخام وهو ما قد يأتي بآثار عكسية على غرار ما لوحظ سنة 2017.
القانون يفتقد لرؤيا واضحة
من جهة أخرى، ترى منظمة «سوليدار» أن مشروع قانون المالية لسنة 2018يفتقد لرؤيا اقتصادية واضحة خاصة بعد قرابة 6 أشهر من المصادقة على مخطط التنمية الذي يهدف إلى تحقيق نسبة نمو بـ3,5 % من الناتج المحلي الخام، ولم يأخذ بعين الاعتبار ما تمّت برمجته ورسمه كأهداف خاصة بالنسبة للاستثمار العمومي والخاص والتشجيع على القطاعات المجدّدة مثل الطاقات البديلة والتكنولوجيا الحديثة. كما ترى المنظمة أن الإجراءات التي تضمنها مشروع قانون المالية لسنة 2018 تتنافى مع ما تمّ اعتماده في قوانين المالية السابقة من إصلاحات جبائية وديوانية وخاصة منها المتعلقة بالنظام التقديري ومقاومة التهريب والسوق الموازية. .
وبين المشاركون أن المشروع هدفه الوحيد تعبئة موارد لمجابهة النفقات العمومية مما أدّى إلى ارتفاع الضغط الجبائي المباشر على المؤسسات والأجراء وارتفاع الضغط الجبائي غير المباشر خصوصا من خلال الترفيع في أسعار مواد الاستهلاك وهو ما سيمس من المقدرة الشرائية للمواطن خاصة مع ارتفاع نسبة التضخم من 5.2 % سنة 2017إلى 5.8 % سنة 2018 بالإضافة إلى انخفاض نسبة الاستهلاك الخاص من 4.1 % سنة 2014 إلى 2.2 % سنة 2018 وفق تقديرات مشروع الميزان الاقتصادي.
من جهته، قال رئيس لجنة المالية والتخطيط والتنمية المنجي الرحوي أن العجز تفاقم بين سنوات 2012 و2017 من 5,1- % إلى 6.1- %، مشيرا إلى أن الاستثمار يتطلب الثقة التي تكمن في وجود استقرار بالمنظومة التشريعية مؤكدا على ضرورة وجود رؤيا واضحة وإستراتيجية اقتصادية . كما أشار إلى أن المبلغ المرصود للتنمية من سنة 2012 إلى سنة 2017 بلغ 30394 مليون دينار في ظل غياب استثمارات كبرى تحسن من جودة حياة الشعب التونسي مشيرا إلى أهمية الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات البلاد التونسية وإيجابيات موقعها الاستراتيجي. هذا وقد تطرق إلى مبلغ القروض الذي بلغ من سنة 2012 إلى سنة 2018 قيمـــة 369 53 مليون دينار منــــها 769 34 مليون دينار بالعملة الصعبة وأن حجم الدين العمومي منذ الاستقلال إلى سنة 2010 يقدر بـ 640 25 مليون دينار، معتبرا في ذلك هذا التوجه خطير جدا وإجرام في حق الأجيال القادمة.