تتضح أسباب أهمية العدد الـ98 من صحيفة «النبأ» التابعة لتنظيم داعش الارهابي، بالاطلاع على الصفحة الثامنة منها التي تضمنت نشر تعميم من اللجنة المفوضة، ينص مضمونه الذي حمل رقم 752 والمؤرخ في 15 سبتمبر 2017، على أنه «تم إلغاء العمل بمضمون التعميم رقم 85 –31، لاحتوائه على أخطاء علمية وعبارات غير منضبطة».
التعميم الذي أصدرته «اللجنة المفوضة» في التنظيم، بتاريخ 15 من الشهر الجاري وأعيد نشره في عدد صحيفة «النبأ» ألغى العمل بتعميم سابق فصلت فيه اللجنة في مسألة التكفير واحكام من لا يكفر كافر، وحكم التوقف في تكفير المشركين، وحكم الطوائف الممتنعة وحكم المخالف فيها، وحكم ساكني ديار الكفر الطارئ.
التعميم الملغى والصراع بين جناحي التنظيم
7 صفحات نشر فيها التعميم الملغى الذي حمل اسم تعميم «ليهلك من هلك عن بينة» كانت 7 جمل كفيلة باعلان الغائه لما تضمنه وفق اللجنة من اخطاء، هذا التعميم الجديد يأتي في فترة احتدام النزاع بين الجناحين القياديين في داعش (تيار البنعلية) و(تيار الحازمية)، ويعلن عن انتصار طفيف للتيار الأول بعد صراع دام عدة أشهر وتسبب في تصفيات بين القياديين والأتباع».
هذا الصراع على مسألة فقهية متشعبة ودقيقة بين تيارين في التنظيم الارهابي تورط فيه التونسيون الذين انتصروا لتيار الحازمية متأثرين بالدروس التي تلقوها من رجل الدين السعودي خالد الحازمي الذي زار تونس أكثر من 5 مرات منذ سنة 2011 وروج فيها لقاعدة «من لم يكفّر الكافر فهو كافر» كقاعدة عامة لا يمكن استثناء أحد منها، طبقاً لشروح الشيخ الحازمي للأصول الثلاثة التي اعتمد عليها في التكفير.
قبل صدور العدد الـ98 من صحيفة النبأ استطاع الحازميون، والذين كان أكثرهم من التونسيين، أن يخترقوا عدة دواوين وولايات، لكن قوة هذا الاختراق ظهرت في بيان اللجنة المفوّضة «أعلى هيئة قيادية في هيكلية تنظيم الدولة»، المنشور في ماي 2017، حيث تضمّن تعميماً ملزماً لكل جنود وقادة التنظيم بشأن الرأي الشرعي في مسألة العذر بالجهل، وعنونت تعميمها بالآية الكريمة: «لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ» الذي الغى بالتعميم الجديد بعد انقلاب الكفة لصالح البنعلية.
انتصار في الصراع الذي حمل عنوان «العذر بالجهل»، كانت فيه الغلبة منذ انحسار تنظيم داعش الإرهابي لصالح الحازمية، التي وصل الأمر بأحد أتباعها إلى نشر مقال في صحيفة النبأ في عددها 85 يكفر تلميحا ابو بكر البغدادي زعيم التنظيم، في الصحيفة الأسبوعية التي يصدرها التنظيم.
عدد 85 كان نقطة فاصلة في الصراع، فبو بكر بالغدادي الذي فوض جزء هاما من صلاحياته الى «اللجنة المفوضة لإدارة الولايات» في شهر ماي الماضي وكلفها بإدارة التنظيم الارهابي والإشراف على المناطق التي لاتزال تحت سيطرته في سوريا والعراق، عاد ليتدخل ويغير من تركيبة اللجنة.
الصراع في اللجنة المفوضة
اللجنة التي انطلقت في بدايتها واختصر اسمها في «اللجنة المفوضة» ضمت اربعة من قادة التنظيم وهم أبو إسحاق العراقي، وأبو حفص الجزراوي، وأبو مرام الجزائري، وعبد الناصر العراقي الذي عين على رأس اللجنة. قبل ان يعزل ويحل محله عبد الله العراقي الذي اصدر مع بقية القادة بيان «ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيّ عن بينة»، وهو بيان مكون من 7 صفحات يتوسع في «مسألة التكفير»، لدرجة أنه كفّر قيادات ناشطة في التنظيم.
ولم يتوقف الامر عند هذا الحد فقد شكلت «اللجنة المفوضة»، جهازا رقابيا يحمل اسم «لجنة الرقابة المنهجية»، كلفت بمهمة التدقيق في «عقيدة» عناصر تنظيم داعش الارهابي من ولاة وأمراء وعناصر عادية، للتحقق من تبنيهم لما تضمنه البيان الصادر عنها.
لتشن في ذات الوقت حملة اعتقالات واسعة ضد قيادات التنظيم بتهمة «الانحراف المنهجي» نتج عنها اعتقال أحد كبار القيادات داخل التنظيم، وهو ما اجبر عددا من «الشيوخ» ومنظري التنظيم على التدخل وبعث رسائل الى البغدادي من بينهم أبو مسلم الحسيني، نبهوا من خطر استمرار هيمنة الحازمية على اللجنة وعلى أذرع التنظيم وما سينجر عن ذلك من خسائر كبرى.
خسائر لم تكن وحدها ما ازعج البغدادي ودفعه للتدخل بهدف السيطرة على الصراع قبل ان يتطور اكثر، فأمر باعتقال عدد من الموالين للتيار الحازمي خاصة في المؤسسات الإعلامية التابعة للتنظيم ومنها صحيفة «النبأ»، كما عين أبو عبد الرحمن الشامي، بإدارة شؤون «اللجنة المفوضة».
اول القرارات التي اتخذت مع الشامي هي إلغاء العمل بتعميم الصفحات السبعة المفصلة لمسألة التكفير، والإلغاء اقتصر على تبيان ان التعميم فيه اخطأ علمية دون ان يعلن عن ان الالغاء اتخذ لتغيير موازين القوى صلب التنظيم الإرهابي، وان الهيمنة اليوم باتت لصالح تيار البنعلية الذي يكيف مقولاته الفقهية مع اولويات المرحلة.
فالتيار الذي يعذر بالجهل لا يعتمد هذا قاعدة ثابتة وإنما ظرفية في إطار توفير حاضنة شعبية لأتباع داعش الإرهابي، في المدن والقرى، وهي حاجة باتت ملحة اليوم لدى التنظيم الذي خسر مناطق نفوذه وبات يستعد للعودة لمرحلة ما قبل «الدولة». مرحلة تستوجب ان تكون علاقات التنظيم باهالي المدن والقرى جيدة.