النهضة في الزاوية ملمحا إلى ندمه عندما قال لباراك أوباما في أكتوبر 2011 بأن الإسلام السياسي التونسي قد تصالح مع الديمقراطية..
وما قاله تلميحا في الخطاب قاله تصريحا في حوار مثير لجريدة «الصحافة اليوم» في 6 سبتمبر الجاري عندما أكد رئيس الجمهورية بأن حركة النهضة ليست مدنية وأنها تحمل مشروعا قد يكون فيه نوع من التراجع عن مكتسبات البلاد..
بعد هذه الهجومات المركزة والتي لم تفسد للتحالف قضية نتيجة تشبث الحركة الإسلامية بالمظلة الرئاسية كلفها ذلك ما كلفها ..كنّا ننتظر نوعية اللهجة الرئاسية تجاه حركة النهضة في حواره يوم امس على الوطنية الأولى خاصة بعدما دعمته قيادتها بكل قوة لتمرير مشروع قانون المصالحة في المجال الإداري رغم التململ الكبير الذي شق الكتلة النهضوية وكاد يعصف بوحدتها..
الباجي قائد السبسي يملك من دهاء معاوية الشيء الكثير فهو يجذب إليه بقوة الخيط الرابط بينه وبين الحركة الإسلامية بغاية وضعها فيما يعتبره حجمها الحقيقي ، أي حزب ثان تابع ،ولكن دون قطع حبل الودّ خاصة إذا راودته فكرة تعديل الدستور باتجاه تغيير النظام السياسي من برلماني معدّل إلى رئاسي ..ففي هذه الحالة لا بدّ له من خطب ودّ النهضة مع السعي دوما إلى إبرازها كحزب ثان غير مؤثر في الخيارات الكبرى للدولة ..في الحوار الذي خص به رئيس الجمهورية يوم أمس القناة الوطنية الأولى والذي أداره بكل اقتدار زميلنا سفيان بن فرحات نجد المحطات الأساسية للخطة الرئاسية تجاه الحركة الإسلامية:
• لا مرجعية دينية للدستور التونسي الذي يؤكد في فصله الثاني على أن تونس دولة مدنية ..وهذا يعني أن كل اعتراض من موقع «الشريعة « أو «الفقه» أو «المرجعية الإسلامية» لا يستقيم..ونفهم من ذلك بأن حركة النهضة لن تصبح في نظر رئيس الدولة حركة مدنية إلاّ متى تخلت نهائيا عن هذه المرجعية كعنصر من عناصر التشريع للمجتمع.
• حركة النهضة بقيادة رئيسها راشد الغنوشي قامت بمجهود كبير باتجاه المدنية ويفهم من هذا السياق أنها مازالت في منتصف الطريق وأنها مدينة لرئيسها بهذا الجهد ، أي أن بعض القيادات الأخرى مازالت تجذب إلى الوراء ..ولكن هذا المجهود غير كاف..
• ولكن سعى رئيس الدولة إلى تنسيب كبير لتصريحاته إلى جريدة «الصحافة اليوم» لكي لا يضع النهضة باستمرار في الزاوية باعتبار أن تجربة «التوافق» (دون النطق بكلمة التوافق) ناجحة وانه ينبغي الاستمرار فيها ..
فنحن لسنا أمام تراجع جذري بل تراجع تكتيكي المقصود به ألاّ تشعر النهضة باستمرار أنها محشورة في الزاوية ..فالطريق مازالت طويلة وتجربة «التوافق» ناجحة والمعارك المشتركة قادمة ..ولكن رئيس الجمهورية يشدد على خط واضح : الدولة مدنية وهو حاميها والنهضة قد خطت خطوات هامة نحوها ولكنها لم تكتمل بعد..
هذه هي الخطة الرئاسية مع حركة النهضة وهي شبيهة جدا بشعرة معاوية ..
فالأساسي هو ألاّ تقطع الشعرة وأن تكون النهضة دوما تابعة لا قائدة..