ليكون تتبع تطورات هذه الحبكة موجها لهدف وحيد وهو ما عرفت «النهاية» هل ستجرى الانتخابات في موعدها ام تؤجل، والبحث عن النهاية في ظل قلق عاطفي من ان لا تكون النهاية كما نتوقعها، والكل يتوقع ما يريد .
نشر مجلس النواب لبلاغ يوم الاثنين الفارط يعلن فيه انه سيعقد، يوم أمس، جلسة عامة جدول أعمالها ضم نقطة وحيدة وهي مواصلة التصويت على سد الشغور في عضوية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. ليعلن انه برمج أيضا عقد اجتماع للكتل البرلمانية من أجل استئناف التوافقات بشأن الأسماء المطروحة لسد الشغور. لكن الجلسة رفعت كما سبقتها دون تقدم حاصل، (انظر مقال هيثم الزقلي).
بلاغ لم يكن الأول ولا الأخير ان تعلق الأمر بسد الشغور في تركيبة الهيئة العليا للانتخابات منذ انطلاق العملية التي فرضها إعلان شفيق صرصار رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات السابق عن استقالته، رفقة عضوين آخرين يوم 9 ماي الماضي، داعيا مجلس نواب الشعب إلى الإسراع في سد الشغور قبل مغادرته بصفة نهائية، التي كانت منذ شهرين.
مسار سد الشغور بات يؤرق هيئة الانتخابات مما جعل أنور بن حسن، رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالنيابة يعلن أن الهيئة وجهت يوم الاثنين الفارط مراسلة إلى مجلس نواب الشعب لتستفسر بشأن تاريخ سد الشغورات داخلها واستكمال تركيبتها. لأنها «ألزمت نفسها برزنامة مضبوطة» يؤدي اختلالها إلى تداعيات سلبية، سواء على صورة تونس أو على الخزينة العامة.
لكن الرئيس بالنيابة المح الى معضلة أخرى، وهي إقرار تأجيل الاستحقاق الانتخابي دون تحديد تاريخ جديد للانتخابات، وهو ما قد يفرض ان استمر تأجيل جلسات المصادقة على سد الشغور، لاسيما وان الموعد الذي ضبطته الهيئة كأخر اجل ليدعو رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، الناخبين إلى التوجه لصناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم في الانتخابات البلدية، هو 18 سبتمبر الحالي، كشرط أساسي لاحترام بقية المواعيد المنظمة للانتخابات البلدية المنتظرة .
دعوة قال عنها رئيس الجمهورية والناطقة باسم الرئاسة سعيدة قراش، انها لن تصدر «إلا بعد سدّ الشغور في الهيئة العليا المستقلة للانتخابات» مما يعنى ان الانتخابات ستؤجل ان لم يقع تجاوز الأمر خلال الأيام الخمس المتبقية، لتجنب الوقوع في خرق دستوري اذ ينص الفصل 101 من القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء في تونس، على ضرورة دعوة الناخبين بأمر رئاسي في أجل أدناه ثلاثة أشهر قبل يوم الاقتراع بالنسبة إلى الانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية والرئاسية، وفي مدة شهرين على الحد الأدنى بالنسبة إلى الاستفتاء.
كل هذا معلوم، فقد تكرر الحديث عنه أكثر من مرة، لكن ما حدث أمس وما قد يحدث اليوم، ينذر بما قد لا تحمد عقباه، فالكتل البرلمانية، وان كانت في جويلية الفارط قاب قوسين من التوافق على اسمين من بين المرشحين لسد الشغور، فإنها يوم أمس ابتعدت بخطوات كبيرة، في عدم توافق بين كتلتي النهضة والنداء، حيث يحتاج سد الشغور في هيئة الانتخابات ما لا يقل عن 145 صوتاً من مجموع 217 عضواً، أي ضرورة ان تكون الكتلتان الأكبر متفقتين على دعم مرشح بعينه.
توافق حرصت النهضة على ضمانه بجعل سدّ الشغور ملازما للمصادقة على قانون المصالحة الإدارية، المتوقع ان يحال اليوم على الجلسة العامة رغم عدم إرسال المجلس الأعلى للقضاء لردّه على استشارة المجلس الوجوبية. مما يعني ان الأمر بات أكثر تعقيدا.
هنا تكشف حبكة سد الشغور عن «عقدة» جديدة، لا احد يمكنه الجزم بشكل نهايتها، هل تحل وتكون الانتخابات في موعدها ام يستمر التصعيد وتتأجل، على الورق لتجاوز العقبة وضمان سد الشغور كخطوة أولى لضمان إجراء الانتخابات، يجب ان يقع التوافق على هوية العضوين ورئيس الهيئة قبل نهاية الأسبوع الجاري، وهذا الموعد ليس بالسهل الالتزام به في ظل الوقائع الراهنة، اختلاف بين كتل الائتلاف الحاكم،التي بدورها ستظل غير كافية من دون قبول جزء من المعارضة البرلمانية، لسد الشغورات.
على الورق أيضا توافق قيادات أحزاب الائتلاف الحاكم على مرشحين وتقديم تعليمات لكتلها تقضي بالانضباط الحزبي والتصويت خلال يومين، اليوم وغدا، سيعزز من فرص سد الشغور قبل موعد 18 سبتمبر، كما ان التوافق بينهم سيكون ورقة ضغط على المعارضة التي ستكون أمام حرج كبير، فان هي عطلت مسار سد شغور في تركيبة هيئة دستورية لأسباب سياسية تتعلق أساسا برغبتها في تاجيل الانتخابات ستفقد أي مصداقية في القادم ولن يكون بمقدورها ان تقدم حججا أخلاقية بشان أي خرق دستوري. لذلك فانها اقرب الى ان تدفع الى التوافق.
كل هذه فرضيات يمكن ان تتحقق إحداها، فالمؤشرات الحالية لا تجعل الصورة واضحة، بل تجعلها مركبة وضبابية، خاصة وان قادة نداء تونس إذا تعاطوا مع تصريح رئيس الدولة على انه رسالة ضمنية إليهم مفادها عدم الذهاب الى سدّ الشغور في تركيبة الهيئة حاليا، أي انهم قد يتمسكون برفض الوصول الى توافق خلال هذا الأسبوع.
من جانب أخر فانّ حرص حركة النهضة على ربط بين سد الشغور وتمرير قانون المصالحة ومراسلة الهيئة العليا للانتخابات والتداعيات السلبية للتأجيل، قد يدفع بقيادات النداء إلى التوافق وبذلك ستلتحق بقية الأحزاب المشاركة في الحكومة.
في ظل هذا الارتباك في المشهد لم يعد هناك غير الاستمرار في مطالعة ما يجد من تطورات في مسار الانتخابات والانشغال بتوقع نهايات قد لا تأتي كما توقعها، وهذه متعة قراءة روايات تشارلز ديكنز فهي تربكه وتمتلكه الحيرة ..