والمركز هذه المرة حول تقييم التونسي للأوضاع العامة والأولويات التي ينتظرها من الحكومة والثقة في هياكل البلاد ومؤسساتها ..
«الوضع المالي للأسرة مقارنة بالسنة الماضية» مؤشر هام يدل على الإدراك المباشر لانعكاس الوضع العام على إحساس الأفراد بتحسن أو بسوء ظروفهم المعيشية..
ولا يهم إن كان هذا الإحساس معبرا بدقة على المعطيات الموضوعية للوضعية المالية للأسرة فالمهم هنا الإدراك (la perception) وما نلاحظه هنا هو أن التونسي يعتقد إجمالا أن الوضع المالي لعائلته قد زاد سوءا (%56.8) مقابل العشر فقط (%10.1) الذي يعتقد بان الوضع قد صار أفضل ..ولعل الرقم الأبرز هو أن حوالي الثلث (%29) يعتقدون بان الوضع قد أصبح أسوأ بصفة كبيرة مقابل %1.3 فقط يعتبرون أن وضعهم المالي قد تحسن كثيرا مقارنة بالسنة الفارطة..
ولكن هذا الانطباع السلبي لا يدفع التونسي إلى التشاؤم المطلق ما دامت أغلبية طفيفة(%40.1) تعتقد أن الوضع المالي لأسرتها سيتحسن في السنة القادمة مقابل حوالي الثلث (%29.3) الذين يعتبرون أن وضعهم سيزداد سوءا في حين يعتقد الربع (%25.4) أن الوضع في السنة القادمة سيبقى على ما هو عليه الآن..
ولكن رغم هذا التفاؤل النسبي فان %10.7 من التونسيين يعتقدون أن الوضع سيتحسن كثيرا مقابل %13.6 يرون العكس تماما..
فنحن أمام تفاؤل حذر جدا إذن على المستوى القريب ولكن يعود التشاؤم ليسود نسبيا على المستوى البعيد إذ ترى غالبية التونسيين (%53.4) أن وضع أبنائها سيكون اسوأ من وضعها هي مقابل %44 يحافظون على تفاؤلهم.. وما يمكن استنتاجه هو أن التشاؤم على المستوى الشخصي هو دون نسب التشاؤم عندما يتعلق الأمر بالوضع العام للبلاد (انظر «المغرب» لـيوم 4 أوت 2017) ولكن التونسي لا يرى بعض العوامل التي تجعله مطمئنا بما فيه الكفاية على مستقبله الشخصي وخاصة على مستقبل أطفاله ..
أولويات التونسي المنتظرة من الحكومة
إجمالا هنالك دائما ثلاث أولويات كبرى ينتظرها التونسيون من حكومتهم : مكافحة الفساد ومقاومة الإرهاب والحدّ من البطالة وتحسين ظروف العيش ..
ولكن سلّم الأولويات يختلف من فترة لأخرى ومن شهر لآخر وهو يعكس الوضعية النفسية والمواطنية لعموم التونسيين..
نطرح على التونسيين عشرة أولويات منتظرة من الحكومة (تطالعونها كلها في الجدول) ونطلب منهم أن يعطونا أولوية واحدة ..بمعنى أن الذي يختار مكافحة الفساد كأولوية يعتبر ولا شك أن مكافحة الإرهاب أولوية كذلك ولكنه وضع الأولى بدل الثانية لإحساسه بأهميتها القصوى وعندما نلاحظ تطور سلم الأولويات على امتداد هذه السنة (من سبتمبر 2016 إلى أوت
2017) نلاحظ تحولات هامة فيها ..
لو أخذنا الأولويات التي اشرنا إليها آنفا (مكافحة الفساد – الحد من البطالة – مكافحة الإرهاب ) سنلاحظ أن مكافحة الفساد ظلت الأولوية الثالثة من سبتمبر 2016 الى حدود مارس 2017 وفي نفس تلك الفترة كانت مكافحة الإرهاب هي الأولى وأحيانا بصفة كبيرة جدا (%29 في شهر ديسمبر 2016) وما يفسر ذلك السنة الدموية التي عاشتها البلاد في 2015 بدءا من باردو مرورا بسوسة فحافلة الحرس الرئاسي في العاصمة ثم أحداث بن قردان في مارس 2016..ولكن مع النجاحات الأمنية المتتالية نزلت هذه النسبة لتكون في أدنى مستوياتها في أوت الجاري بـ%15.6
أولوية الحد من البطالة هي الأكثر استقرارا على امتداد كامل هذه السنة نسبة هي أعلى %16.8 في مارس 2017 وأدناها هي %13.9 في جوان الفارط.. وكأنّ هذه النسبة تساير نسبة البطالة في البلاد (%15.3) أما الأولوية الأكثر تبدلا فهي مكافحة الفساد المالي والإداري والتي أصبحت أولوية الأولويات بالنسبة للتونسيين منذ ماي الماضي بـ%20.9 وبلغت ذروتها في جوان (%28.6) ونذكر بان الباروميتر حينها كان قد أنجز نصفه قبل حملة الاعتقالات ونصفه الآخر بعدها ..
ولكن رغم بقاء مكافحة الفساد في صدارة الأولويات المنتظرة من الحكومة إلا أن نسبتها ما فتئت تنزل من شهر إلى آخر لتستقر في حدود %18.9 في حدود أوت الجاري .. أي وكأنّ بداية الحملة الفعلية على بعض شبكات التهريب والفساد قد أفقدتها شيئا من البريق وجعلت التونسيين يلتفتون نسبيا إلى أولويات أخرى.
في سوسيولوجيا أولويات التونسي
عندما ننظر إلى تلون أولويات التونسي وفق وضعه الجهوي والجندري والعمري والاجتماعي والتعليمي نكتشف خيوطا مختلفة لتناسقات ليست بديهية منذ الوهلة الأولى..
العامل الجهوي هام جدا في تحديد الأولويات المنتظرة من الحكومة . فمكافحة الفساد هي الأولوية الأولى في ولاية صفاقس (%24.7) بينما هي الدنيا في ولايات الشمال الغربي (باجة وسليانة والكاف وجندوبة) بـ%14.3 إذ الأولوية هنا هي الحد من البطالة (%22.9 ) بينما تأتي هذه الأولوية (الحد من البطالة ) في المرتبة الخامسة في ولايات الساحل (سوسة
والمنستير والمهدية ) بـ%10.9..
أولوية مكافحة الإرهاب تنزل إلى %7.5 في ولاية صفاقس (هي الأولوية السادسة في هذه الولاية ) وتشهد أدنى مستوياتها في ولايات الجنوب الغربي (قفصة وتوزر وقبلي ) لتكون في حدود %2،4 فقط (هي الأولوية العاشرة والأخيرة في هذه الجهة) ولكنها ترتفع إلى القمة في ولايات الوسط الغربي (القيروان وسيدي بوزيد والقصرين) لتصل إلى %24.6 يبدو كذلك أن أولوية مكافحة الفساد مازالت «ذكورية « فهي تصل إلى نسبة %26.9 عند الرجال وهي الأولوية الأولى المنتظرة من الحكومة ..
عند النساء الأولوية الأولى هي الحد من البطالة (%17.9) فمكافحة الارهاب ب(%16.3) وتأتي أولوية مكافحة الفساد المالي والإداري في المرتبة الخامسة ب%10.8 فقط..
مكافحة الفساد هي الأولى عند الطبقات الوسطى بصنفيها: %26.9 عند الطبقة الوسطى العليا و%20.9 عند الطبقة الوسطى السفلى..
بالنسبة للطبقة الشعبية الأولوية هي للحد من البطالة (%22.7) فلمكافحة الإرهاب (%19.1) وتأتي مكافحة الفساد في المرتبة الرابعة بـ%12.8..
عند الطبقة المرفهة أولوية الأولويات هي تحسين الاقتصاد ب%18.4 ثم تأتي بعدها مكافحة الفساد ب%13.2 أولوية مكافحة الفساد تزداد طردا مع التقدم في السن فهي عند الشباب (18 - 25 سنة) في المرتبة الخامسة ب%9.6 وتصبح في المرتبة الثالثة عند شباب ما بين 26 و30 سنة ثم تصبح الأولى عند بقية الفئات العمرية وتصل إلى ذروتها عند من تجاوزوا الستين ب%27.4..
الملاحظ أن أولوية مكافحة الإرهاب لا تأتي في المرتبة الأولى بالنسبة لأية فئة عمرية بينما تكون أولوية الحد من البطالة في الصدارة بالنسبة لفئتي الشباب (18 – 25 سنة و26 – 30 سنة) وتتدحرج إلى المرتبة الخامسة بالنسبة للكهول (41 - 50) بـ%10.1
مكافحة الفساد أولوية مهمة جدا عند طرفي النقيض في السلم التعليمي فهي تأتي في المرتبة الثانية عند الأميين بعد الحد من البطالة ولكن بمستوى مرتفع للغاية (%22.2) وهي الأولى عند أصحاب المستوى الجامعي بـ%21.4 واللافت للنظر هنا هو أن أربع أولويات كاملة لا تحظى إلا بـ%0 عند الأميين وهي إصلاح التعليم وتحسين الاقتصاد والتنمية الجهوية وتحسين البنية التحتية..
إخفاقات الحكومة أكثر من نجاحاتها
أخذنا قائمة الأولويات العشر وحذفنا منها مكافحة الفساد المالي والإداري وسألنا العينة عن مدى نجاح أو إخفاق الحكومة في هذه الأولويات التسع..
الجواب واضح لا لبس فيه: الحكومة نجحت في إرساء الأمن (%87 ) ومكافحة الإرهاب (%86) وفشلت في البقية وخاصة في تحسين ظروف العيش (%88) والحد من البطالة (%84) وتحسين الاقتصاد (%74) وإصلاح التعليم (%73) وتحسين القطاع الصحي (%71) والتنمية الجهوية والاستثمار في الجهات (%71) وعندما ندقق في مجموع النجاح أو الفشل نرى أن حكم التونسي أكثر قسوة على الحكومة فحين يقول أنها نجحت في إرساء الأمن فهو يعتبر أن هذا النجاح كبير بنسبة %33 و%54 هو نجاح نسبي بينما عندما يقول بأنها فشلت في تحسين ظروف العيش والحد من غلاء المعيشة (%88) : %63 هو الفشل الكبير و%25 للفشل النسبي..
خلاصة القول محصلة العمل الحكومي في تحقيق هذه الأولويات هي سلبية بنسبة هامة رغم النجاحات في مكافحة الإرهاب وفي إرساء الآمن..
ثقة التونسي في المؤسسات والهياكل
نختبر في الباروميتر السياسي ثقة التونسي في 13 مؤسسة وهيكل والملاحظة هذا الشهر ان 5 مؤسسات وهياكل تراجعت نسب الثقة فيها بصفة طفيفة (من نقطة إلى نقطتين فقط) بينما فقدت الحكومة ثلاث نقاط وهيئة مكافحة الفساد 4 نقاط ورئاسة الجمهورية ست نقاط كاملة..
في المقابل ارتفعت الثقة بصفة طفيفة في ثلاث مؤسسات وهياكل: هيئة الحقيقة والكرامة (نقطتان) والنقابات (نقطة وحيدة ) والأحزاب ( نقطة وحيدة) في حين شهدت الثقة في الإعلام قفزة ايجابية بخمس نقاط..
وحدها الإدارة العمومية حافظت على نفس التنقيط..
ويبقى الجيش رغم تراجعه بنقطة واحدة هو المؤسسة الاجماعية في تونس بمنسوب ثقة خيالي (%97) منها %88 ثقة كبيرة في حين تبقى الأحزاب رغم تقدمها بنقطة في المؤخرة ب%21 من الثقة منها %4 فقط من الثقة الكبيرة وكما قلنا وكررنا في كل باروميتر سياسي هذه هي النقطة السوداء في الديمقراطية التونسية الناشئة فلا نظام ديمقراطي ولا تداول سلمي على السلطة دون منظومة حزبية قوية تحظى بثقة دنيا في نفس الوقت ..
يبدو ان الطريق مازالت طويلة أمامنا.
الجذاذة التقنية للدراسة
العينة: عينة ممثلة للسكان في الوسط الحضري والريفي، مكونة من 971 تونسي تتراوح أعمارهم بين 18 سنة وأكثر.
تم تصميم العينة وفق طريقة الحصص (Quotas)حسب الفئة العمرية، الولاية، الوسط الحضري أو الريفي.
طريقة جمع البيانات: بالهاتف
CATI (Computer Assisted Telephone Interviewing, Call-Center)
نسبة الخطأ القصوى: 3٫1 %
تاريخ الدراسة: من 29 جويلية 2017 إلى 2 أوت 2017
تونس - استطلاع للرأي أوت 2017