«Butterfly effect»/ تأثير الفراشة، مصطلح بات منذ ثمانينات القرن الماضي دارج الاستعمال في العلوم الاجتماعية، للإشارة إلى تأثير الأحداث الصغيرة البعيدة جغرافيا والمنفصلة زمنيا على حدث كبير، وفق نظرية تقوم على أن هنالك مجموعة كبيرة من الأحداث العشوائية التي تحدث وتكون في ظاهرها غير مترابطة لكن في النهاية عند تجميع الأحداث العشوائية يولد حدث كبير.
تطبيق هذه النظرية الفيزيائية في السياسة، وتحديدا في علاقة النهضة والنداء سيبيّن سبب «نجاح» الحركتين في أن تنتقلا إلى تحالف صريح ومباشر بعد أن عجزتا لأكثر من سنتين ونصف عن القيام بما آتياه في ليلة السادس من جوان الجاري.
إعلان عن مأسسة التحالف
تاريخ انعقاد اجتماع ضم مكتبي كتلة حركة نداء تونس و كتلة حركة النهضة بمقر مجلس نواب الشعب، ترأسه كل من راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة و حافظ قائد السبسي المدير التنفيذي لحركة نداء تونس. وصدر عنه بيان بخمس نقاط (انظر المؤطر)، أهم ما فيه إعلان الطرفين عن إرساء «هيئة عليا دائمة» للتنسيق بين الحزبين و الكتلتين، تعقد جلساتها مرة كل شهر أو كلما دعت الحاجة لذلك.
هدف هذه الهيئة كما نص البيان المشترك، هو «دعم التنسيق بين كل الأطراف الموقعة على وثيقة قرطاج و المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية»، وهو ما علق عليه بعض من احزاب حكومة الوحدة الوطنية (انظر مقال كريمة الماجري)بالرفض وعدم «قبول الوصاية» كما صرح الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي .
هذا الهدف المعلن في النقطة الأولى من البيان، كما بقية النقاط لا يعلنان الهدف الأساسي والرئيسي من هذا التحالف الذي نجحت الحركتان في الوصول اليه، رغم الاكراهات الداخلية، بعد فشل محاولات سابقة. وهنا يبرز اثر الفراشة.
فالحركتان اللتان حرصتا في تصريحاتهما السابقة على التمييز بين العمل المشترك والتحالف، وبالذات حركة نداء تونس، التي رفضت الى غاية الأسبوع الفارط ان تصنف علاقتها بالنهضة كتحالف، وتمسكت بالتصنيف القائل أنها عمل مشترك، ينتهي بانتفاء أسبابه، وهي نتائج انتخابات 2014 وضرورة التوافق للخروج من أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة وغيرها من الحجج التي رفعتها الحركتان لا لأتباعهما فقط بل للرأي العام التونسي والدولي برمته.
تطورات المشهد الوطني والدولي
لفهم هذا التطور وجبت العودة إلى الأحداث التي شهدتها تونس والمنطقة في الأسبوعين المنقضيين، فداخليا أزمة الكامور التي احتدت وجرّت معها حركة النهضة لمعسكر الحكومة مما أدى إلى خسارة جزء من قاعدتها الشعبية في الجنوب التونسي، دخول حكومة الشاهد في حرب على الفساد وإيقاف 10 من المشتبه بهم ووضعهم تحت الإقامة الجبرية، باستثناء شفيق جراية الذي أحيل إلى القضاء العسكري لمحاكمته بتهم ثقيلة.
قضاء عسكري بات ينظر اليوم في تصريحات صابرين القوبنطيني، نائب بمجلس نواب الشعب عن نداء تونس وقع طردها الأسبوع الفارط، بسبب تصريحات قالت فيها ان «قادة حزبها السابق نداء تونس، تأمروا في اجتماع لهم على امن الدولة، وهو ما دفع النيابة العمومية إلى الإسراع بفتح تحقيق قضائي قبل أن تمثل القوبنطيني أمام القضاء العسكري لأخذ أقوالها، وحوار ادلى به رئيس الحكومة لصحفيتي لابراس والصباح «اعلن فيه انه على مسافة واحدة من الأحزاب بما فيها حزبه نداء تونس».
تطورات داخلية اقترنت في أسبوعها الثاني بتطورات إقليمية، أزمة الخليج، التي تختزل في قطع العلاقات بين أربع دول عربية، وهي المملكة العربية السعودية، البحرين، الإمارات العربية المتحدة ومصر لعلاقاتها مع قطر، على خلفية اتهام هذه الدول لقطر بدعم الجماعات الإرهابية وحركات الإخوان المسلمين، اشترطت عودة العلاقات بقطع الدعم القطري.
هذه التطورات بدورها جاءت بعد أيام عن القمة الأمريكية الإسلامية، التي أعلن فيها عن تغيير السياسات الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة وتبني إدارة الرئيس دونالد ترامب لتصور جديد يتقاطع مع تصور المحور الإماراتي-السعودي، القائم على معاداة التيارات الإسلامية أساسا وإيران.
دون أن نغفل عن تطور الملف الليبي، وانحسار تأثير التيارات الإسلامية في المشهد الليبي إضافة الى تكرار ذكر اسم عبد الحكيم بلحاج في قضية شفيق جراية، المتهم بوضع نفسه على ذمة جيش أجنبي زمن السلم.
هذه التطورات المنفصلة عن بعضها في الزمن والمكان -ان تعلق الأمر بعلاقة حركتي النهضة والنداء- ترتبط لتمثل عناصر معادلة سياسية جديدة تفرض على الطرفين وقائع جديدة تستوجب التعاطي بشكل مغاير يشمل القيام بالمحظور وهو تحالف صريح ومباشر بينهما يعلن عنه للملا.
البحث عن الحماية
أي ان الانطلاق في قراءة هذه الأحداث المنفصلة وربطها سويا سيؤدي في نهايته الى فهم أسباب تمكن الحركتين هذه المرة من الوصول لإقرار التحالف، وان كان لكل طرف منهما دوافعه الخاصة وأهدافه التفصيلية المختلفة، طالما يشتركان في هدف رئيسي وهو البحث عن الاحتماء بالأخر من تقلبات المشهد السياسي.
فحركة النهضة وجدت ان الوقت يفرض عليها الذهاب في احتمائها بمظلة النداء الى مراحل جديدة، هدفها توفير حماية اكبر للحركة داخليا وإقليميا، اي انها وبعد تضييق الخناق على الدول الحليفة والداعمة للتيارات الإسلامية كتركيا وقطر، وجعل شرط تحسن العلاقات الدولية لهذه الدول مع جيرانها او القوى الإقليمية مرتبطا بسحب دعمها للجماعات الإسلامية بشقيها السياسي او الجهادي/التكفيري.
هنا وجبت الإشارة الى ان ما شغل المحور الإماراتي/ السعودي، وهو قطع الدعم عن حركات الإخوان والأحزاب المحسوبة عليها او المقربة منها، وهو ما تتقاطع فيه ظرفيا ووفق مع الإدارة الأمريكية الجديدة التي تعتبر أن ورقة الإخوان يجب التخلص منها.
إي أن حركة النهضة وبانتقالها من تحالف محتشم مع النداء إلى تحالف صريح ومهيكل تهدف إلى ضرب عصفورين بحجر واحد، استباق محاولات عزلها في المشهد السياسي التونسي، والثاني منع إي محاولة للتخندق أو الاصطفاف الحزبي في تونس ضد قطر، بتحييد الحزب الأول في الانتخابات وجعله في صفها لا في صف المحور الإماراتي- السعودي.
هذا الدافع الرئيسي لحركة النهضة وهو الاحتماء من تقلبات الخليج، فيما تحتمي حركة نداء تونس من تقلبات المشهد الداخلي وأساسا من تداعيات الحرب على الفساد، التي ولجت لمنطقة يعتبرها النداء خطرا عليه وعلى كوادره الذين يقرون بعلاقاتهم المتينة مع شفيق جراية والذين تتهمهم القوبنطيني بالتأمر على امن الدولة .
لكن ليس هذا فقط ما يحتمي منه النداء، بل هو يحتمي بالنهضة من رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وللمفارقة هو احد كوادر الحزب وقادته، غير ان الوافدين الجدد على النداء كما السابقين من أنصار نجل الرئيس باتوا يعتبرون صراحة ان الشاهد يعادي الحزب ويستعد للدخول في مواجهة معه.
معاداة أعلنها صراحة خالد شوكات، العائد الى الحزب منذ أسابيع بعد استقالة، حيث كتب في صحيفة الشروق الصادرة يوم الأربعاء 7 جوان مقالا بعنوان «الى متى... يعادي الشاهد النداء؟» وفيه حذر الشاهد من معاداة النداء والاستمرار في نهج القطيعة معه.
بربط هذه الأحداث العشوائية في ظاهرها يمكن إدراك حقيقة الخطوة التي أقدمت عليها الحركتان يوم الأربعاء الفارط، بعد ساعات من احتدام أزمة الخليج وصدور مقال شوكات، وهو ما يساعد على فهم المراد من هذه الخطوة حتى وان نفى الطرفان ذلك صراحة.
نص البيان المشترك لحركتي النهضة ونداء تونس
«انعقد ليلة السادس من جوان 2017 بمقر مجلس نواب الشعب اجتماع ضم مكتبي كتلة حركة نداء تونس و كتلة حركة النهضة بإشراف كل من الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة و السيد حافظ قائد السبسي المدير التنفيذي و الممثل القانوني لحركة نداء تونس .
بعد الترحم على الشهداء و الثناء على المجهودات المبذولة من طرف المؤسستين العسكرية والأمنية في حماية الوطن و بعد التداول في الوضع العام و أهمية دور المؤسسة التشريعية والكتلتين في استكمال المسار الديموقراطي و الوفاء لتطلعات الشعب تم التالي :
1 - إرساء هيئة عليا دائمة للتنسيق بين الحزبين و الكتلتين تعقد جلساتها مرة كل شهر وكلما دعت الحاجة لذلك من أجل دعم التنسيق بين كل الأطراف الموقعة على وثيقة قرطاج والمشاركة في حكومة الوحدة الوطنية .
2 - تجديد التزام الحزبين بدعم المجهودات المبذولة في الحرب على الفساد في إطار الدستور و القانون والعمل على التسريع في المصادقة على القوانين الضامنة لذلك .
3 - العمل على التعجيل في استكمال إرساء الهيئات الدستورية و على رأسها المحكمة الدستورية قبل موفى الدورة الحالية و الالتزام بالعمل الجدي لدفع المبادرات التشريعية ذات الارتباط المباشر بالمصالح الحيوية للبلاد والداعمة لمسارات الاستقرار و التنمية والوحدة الوطنية .
4 - تأكيد التزام الحزبين بإجراء الانتخابات البلدية تبعا للرزنامة المعلنة والعمل على إنجاحها من خلال الإسراع في المصادقة على قانون الجماعات المحلية .
5 - حث الحكومة على دعم و تحفيز الاستثمار والتنمية بالجهات والتسريع في الوفاء بالوعود التي التزمت بها لفائدة المعطلين عن العمل».