منذ سنة وعدت الحكومة عائلة السلطاني، بعد مقتل ابنها مبروك بجملة من الإجراءات، ومنها ما اعلن عنه مراد المحجوبي والى سيدي بوزيد، في تلك الفترة، عن اتخاذ السلطة الجهوية والإدارات المعنية بالاتفاق مع رئاسة الحكومة جملة من الإجراءات لفائدة منطقة السلاطنية وتتمثل بالأساس في تزويد المنطقة بالماء الصالح للشراب والشروع في انجاز دراسة خاصة بتعبيد الطريق الرابطة بين المنطقة وجلمة وتدعيم المنطقة أمنيا.
إجراءات ربما سيقع الوعد بها مرة أخرى، بعد ان قتل خليفة السلطاني، أخ مبروك السلطاني بذات الطريقة، يوم أمس، بعد إن خطف يوم الجمعة الفارط (انظر مقال بلعيد) لتفقد الأسرة أخوين بذات الطريقة وعلى يد ذات المجموعة الإرهابية، وتثكل ام ابنيها.
القاتل واحد والقتيلان أخوان، خليفة السلطاني وقبله أخوه مبروك السلطاني المغدور في نوفمبر 2015 وقبلهما ابن مهنتهما نجيب القاسمي، الذي قتل ذبحا في أكتوبر 2015، وقبلهما العشرات من ضحايا الإرهاب.
ما يجمع الضحايا، انهم رعاة غنم في مناطق تنتشر فيها الجماعات الإرهابية، التي تعتبر أن خطر الرعاة عليها اشد من خطر الأمن والجيش، باعتبار معرفة الرعاة بالجبال جيدا وبمسالكه الوعرة وملاحظتهم لأي اثر يتركه المتنقل في الجبال.
معارف جعلت من الرعاة، يمثلون خطرا على الجماعات الإرهابية، وهنا لا اختلاف بين كتيبة عقبة ابن نافع الموالية لتنظيم القاعدة أو جند الخلافة الموالي لتنظيم «داعش»، اللذين ذهبا في تأويل النص إلى حدود دموية، تجعل من حياة الرعاة مستباحة تحت فتوى «أعوان الطاغوت»، وهو ما يعنى استباحة قتلهم والتنكيل بجثثهم من وجهة نظر الجماعات الإرهابية.
جماعات أوغلت في دم التونسيين، من امنين وجيش ورعاة، دخلت منذ 2015 مرحلة استباحة المدنيين، وجعلت هدفها الرعاة، لتسجل في تونس 3 حالات قتل لرعاة و 5 حالات خطف او اعتداء على رعاة أخرها كانت قبل أسابيع قليلة في جبل السمامة بالقصرين، من قبل جماعات إرهابية، قامت باستجواب المخطوفين قبل تصفيتهم، بشبهة تقديم معلومات عن تحركاتهم للأمن أو الجيش الوطني، لكن في حال خليفة السلطاني، ووفق شهادة مرافقه الذي نقل ما دار بين الجماعة الإرهابية والفقيد، فعملية قتله «انتقامية» مما سبق له وصرح به قبل سنتين في وسائل الإعلام اثر مقتل أخيه.
هذه الشهادة، إن صحت، فإنها ضمنيا تعنى أن الجماعات الإرهابية قد تكون استندت في تأصيل قتلها للسلطاني الأخ الى مبدإ «عدم العذر بالجهل»، فالجماعات تحرص على ان تلبس عمليات قتلها للأبرياء بلباس الدين وتجعلها واجبا شرعيا، وهنا قد تستند إلى ما صرح به القتيل من ان أسرته لن تترك أرضها للإرهابيين وانه متشبث «بوطنه» أمام إرهاب الجماعات ولا يخشاهم.
لي عنق التصريحات لجعلها متلائمة مع شروط المحاسبة وعدم العذر بالجهل، يبدو انه ما قام به القاتل، وهنا وجب الإشارة إلى أنّ جبل المغيلة يقع تحت سيطرة مجموعات إرهابية موالية لتنظيم «داعش» الذي يعاني بيته الداخلي من تصدعات بسبب نقاشات انطلقت منذ 2015 عن حكم «العذر بالجهل».
العذر بالجهل من عدمه، مفهوم يتعلق بهل يعذر المسلمون بجهلهم لإحكام الدين من عدمه، وكان هذا محل خلاف بشأن إلى أي مدى يمكن إن يعذر المسلم بالجهل للأحكام او الحدود، ومع تأسيس «داعش» وسيطرته على الأراضي في سوريا والعراق، فرضت قيادته مبدأ «العذر بالجهل» لمنع التعرض للسكان في الأراضي الخاضعة لها من قبل أتباع التنظيم، ومحاولة إجبارهم على القتال في صفوف التنظيم، او إقامة الحد عليهم لمخالفات فقهية.
هذا المبدأ طبق من قبل كل الموالين للتنظيم الإرهابي الى غاية بداية انحسار التنظيم جغرافيا وبروز انقسامات حادة في صفوفه بين من يتمسك بالعذر بالجهل وبين من ينادى بقتل كل مسلم مخالف في مسائل فقهية أو عقائدية، باعتباره في دولة إسلامية ولا يستقيم عذره بالجهل استنادا إلى فتوى ابن الباز.
ما يهم اليوم في تونس، بعد مقتل الراعي خليفة السلطاني، هو التنبه إلى فرضية تبنيالجماعات الإرهابية لفتوى عدم العذر بالجهل، التي تعنى استباحتهم لدماء التونسيين، ووضعهم في خانة «الكفار» و»الطواغيت» الواجب قتالهم.