هذا هو التوصيف الإجمالي لرئيس الدولة بالإضافة إلى المخاطر التي تهدد بصفة جدية الانتقال الديمقراطي ولكن الخطاب مهما كان وقعه لا يمكنه أن يحجب انسداد الأفق في البلاد واحتداد أزمة الثقة والشعور بأن البلاد تائهة تتقاذفها أمواج عاتية وأن طريق الإنقاذ ليس واضح المعالم وأن لا أحد يملك بمفرده بوصلة النجاة
لا نعتقد أن المطالبة بانتخابات عامة سابقة لأوانها هو الحل ّ لأننا لا نرى بديلا مقنعا جاهزا للحكم اليوم ، والأحزاب التي تطالب بهذا عليها أن تثبت وجودها الشعبي في الانتخابات البلدية القادمة وان تستعد فيما بعد لتحقيق التداول السلمي على السلطة..
ولكن لا نعتقد مع ذلك بان منظومة الحكم الحالية قادرة لوحدها على قيادة سفينة تونس التائهة والواجب الوطني يفرض أن يتم دعمها بما يسمح بعودة الحدّ الأدنى من الثقة والاستقرار في البلاد..
الاتحاد العام التونسي للشغل يفكر في إطلاق حوار وطني اجتماعي اقتصادي الهدف منه رسم خارطة طريق للإنقاذ الاقتصادي والاجتماعي ولتهدئة النفوس وطمأنة المستثمرين المحليين والأجانب .الواضح أن اتحاد الشغل لا يقترح العودة إلى الحوار الوطني لسنة 2013 ولكن لصنف جديد من التدخل يخرج البلاد من الضبابية التي تحف بها الآن..
ومقترح اتحاد الشغل لن يكون ذا فاعلية إلا إذا ما انخرطت فيه أهم أطراف الإنتاج وعلى رأسها اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية ففي هذا ضمان توازن والجدوى والفاعلية ..
البلاد في حاجة إلى إنقاذ اقتصادي واجتماعي واستعادة نسق نمو يسمح بامتصاص فعلي لا صوري للبطالة .. وهذا لن يتأتى إلا في ظل إصلاحات شجاعة بدءا بتوفير كل مقومات العمل والنجاح للمبادرة الخاصة ..
الإصلاح الأول والضروري والحيوي للبلاد ليس في قانون المصالحة أو غيره بل في رفع كل القيود الإدارية والقانونية والاجتماعية التي تكبل الاستثمار الخاص وتجعله منكمشا لا يجازف ولا يخاطر ولا يسهم بصفة فعالة في خلق الثروة في كل مناطق البلاد ..
نحن بحاجة إلى عقد اقتصادي واجتماعي جديد يتجاوز كل الكوابح الذهنية والعقائدية للنمو وان نقتنع أخيرا بأن المؤسسة الاقتصادية الخاصة هي إحدى أهم محركات النمو والتنمية البشرية في الوقت نفسه. وفي المقابل على المؤسسة القيام بواجباتها الاجتماعية وباحترام شروط الشغل الكريم وبالقطع مع كل أشكال التشغيل الهش وان كان ذلك على مراحل وفي أفق ميثاق اجتماعي وطني جديد..
تونس بحاجة إلى توافق أهم أطراف الإنتاج على الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الضرورية لإنقاذ البلاد ثم لإقلاعها .. وهذا التوافق يتجاوز الحكومات والاغلبيات وهو لا يعوض شرعية الانتخابية بل يعضدها..
وتوافق اتحاد الشغل واتحاد الصناعة والتجارة على عقد كهذا هو الذي سيمهد للبلاد طريق النجاح ويحميها من التذبذب والاضطراب .. تبقى بعد ذلك إشكالات كبيرة أهمها قبول هاتين المنظمتين الكبيرتين العمل معا في هذا الاتجاه وعلاقة هذه المبادرة بأطراف الحكم وبالمكونات السياسية والاجتماعية الأخرى وبكيفية التنزيل الواقعي لهذا العقد..
الأكيد أن القبول بالانخراط في تمشي كهذا هو مغامرة لهاتين المنظمتين إذ قد يلقى إعراضا من قبل بعض مكوناتها كما أننا لا ندري كيف ستتعامل الحكومة مع مبادرة كهذه هل ستدعمها بصفة كلية أم تتعامل معها بصفة انتقائية أم تتجاهلها وتعتبرها تدخلا في السياسيت العمومية التي تشرف عليها ..
ما نقترحه على قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل هو تشريك أهم الأطراف الاجتماعية بدءا باتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية في هذا التفكير الأولي الضروري حتى لا تكون مبادرة خاصة بالمنظمة الشغيلة فتلقى بذلك صدّا من أهم شركائها المحتملين ..
كم نحن بحاجة اليوم إلى مبادرة تعيد الأمل للبلاد وتدفعنا جميعا للعمل المشترك المفيد .. فالتناحر قد بلغ أشده وان استمر على هذه الشاكلة فقد يأتي على الخضراء بأسرها ..