جاء قرار المركزية النقابية الرافض لتعليق الدروس، ليخفف من حدة الخوف الذي طال أولياء التلاميذ في تونس، بمختلف مستوياتهم التعليمية، لكنه وعلى أهميته، لم يسحب فتيل الأزمة، بل اجل اشتعاله ورحله إلى وقت لاحق، فالمركزية تدعم نقاباتها في مطلب إيجاد بديل عن جلول في وزارة التربية، وهو مطلب وجدت حكومة الشاهد نفسها غير قادرة على تحقيقه لعدة اعتبارات.
موقف عبر عنه المكتب التنفيذي للمنظمة في بيان له (انظر مقال زميلتنا دنيا حفصة) بشكل صريح، اقترن بالتمسك بايجاد بدائل في وزارة التربية، التي كرر الاتحاد اتهام وزيرها باهانة المربّين، وبالتسبب في لخبطة السنة الدراسية الحالية.
بيان الاتحاد وعودته بالأزمة إلى حالة الخمول نسبيا، ومطالبته لنقابات التربية والتعليم بالانضباط وعدم التصعيد عبر تعليق الدروس، وترك ملف الوزير «للجهات المعنية» والتي يقصد بها المكتب التنفيذي الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد.
هذان الاثنان واللذان توصّلا في وقت سابق إلى تسوية سقطت في الماء بسبب تسريبها من قبل النقابيين، يتفقان على حل يرضي كليهما وهو إبعاد جلول دون ان يكون في عملية إبعاده عن الوزارة ما يوحي بانها استجابة لضغط النقابات، لما في ذلك من وجهة نظر الحكومة من مؤشرات سلبية وتداعيات لاحقة قد تعصف بالمشهد السياسي في البلاد.
حجة الحكومة، التي تقوم على الاقتداء والعمل بالمثل من قبل بقية المنظمات، هي أن إقالة الوزير، ليست هي وحدها من أقنعت قادة الاتحاد، بل حزمة من الرهانات القادمة والمعطيات، هي من دفعت الى التهدئة، الظرفية بين الطرفين إلى حين الانتهاء من السنة الدراسية الحالية.
ترحيل الحل إلى ما بعد نهاية السنة الدراسية، يضع وزير التربية ناجي جلول في وضع غير مريح، على عكس ما يعتقده البعض، فالوزير يعيش في شبه مقاطعة من النقابات وما يشبه سحب ملفات منه عبر رئاسة الحكومة التي باتت تتدخل مباشرة، وهو ما يعني انه وفي انتظار انتهاء السنة الدراسية، سيكون محدود الصلاحيات ومقيدا.
جلول الذي استفاد سياسيا من صدامه مع النقابات، وهو لا ينكر ذلك، بات اليوم كمن يراهن بكل ما كسبه في لعبة أخيرة، ممنيا النفس بالكسب العظيم، ليغفل عن إدراك حقيقة باتت تتجلى يوميا انه سيكون الخاسر الأبرز فيها، فالحكومة لن تغامر إطلاقا بمعادة الاتحاد من اجله، حتى وان أعلنت رسميا عن رفضها إقالته أو دعوته للاستقالة.
الاكرهات التي حددت موقف الحكومة وحاليا موقف الاتحاد، لن تتواصل إلى ما لانهاية، كل ما قد يتواصل هي حالة الشدّ بين الوزير والنقابات والتداعيات السلبية لهذا على الوضع العام، فالحرب بين الوزير والنقابات وان خمدت نيرانها فإنها سريعة الاشتعال أي أنّ أي حدث او تصريح قد يفاقم الوضع.
اي ان الوضع وان كان في ظاهره ايجابيا ويبعث على مؤشرات جيدة، فانه يحمل في تفاصيله ما يجعل من ازمة الوزير والنقابات تتجاوز كلاهما لتطال الحكومة والاتحاد، وكلاهما يقول إنّ جلول حريص على نجاحهم وتماسكهم، وان رفض الاستقالة فـ«لحمايته لشرف الدولة» كما قال في حوار سابق مع «المغرب».