من تقهقر وفقدان القدرة على الفعل، اذ تكرر فشل الجماعات في تنفيذ عملية إرهابية في تونس، كان منذ ديسمبر 2015، لكن هذه المرة فشل الجماعات حمل معه مؤشرات جديدة عن واقعها والعزلة التي تعانيها.
في الأربع والعشرين ساعة الماضية كشفت التحقيقات الأولية وشهادات أعوان الأمن تفاصيل محاولة أربعة إرهابيين استهداف دورية أمنية قارة في ولاية قبلي، ترابط على الطريق بين مدينتي دوز وقبلي في مستوى مكتب بريد جنعورة، وذلك قبل حلول الساعة الواحدة صباحا من يوم الأحد الفارط.
استشهاد عون امن هو ما خلفته العملية الإرهابية التي تكبدت فيها الجماعات الإرهابية خسائر، تتجاوز مقتل اثنين من المنفذين الأربعة، وإيقاف الآخرين. فهي دمرت نهائيا ابرز ركائز التنظيمات الإرهابية في عملياتها وتخطيطها، وجلها تتعلق بالعامل النفسي وسلاسة الحركة والتنفيذ.
فما كشف عنه في التحقيقات من وجود مواد متفجرة بدائية الصنع في الدراجات النارية التي نفذت بها العملية، وتفاصيل تنفيذ العملية، التي لم تكشف بعد ان كان منفذوها هم من خطط لها أم ان التخطيط كان من مشمولات غيرهم وهم كلفوا بالتنفيذ. هذه التفاصيل، في انتظار كشفها في التحقيقات مع العنصر الموقوف، ستكون هامة لمعرفة ما باتت عليه الجماعات الإرهابية من تنظم وهيكلة، وجاهزية نفسية وبدنية.
وفي انتظار ذلك يمكن القول ان الجماعات الإرهابية اليوم في تونس باتت في مرحلة «ما قبل النهاية» في شكلها الذي هي عليه، وفق المؤشرات الأولية، التي كشف عنها، ومنها استعمال أسلحة بيضاء في تنفيذ العملية الإرهابية، وسقوط إرهابيين مباشرة في الاشتباك وإصابة أخر فيما فرّ العنصر الرابع، قبل أن يقع إلقاء القبض عليه مختبئا، يوم الأحد الفارط، وتدخل مواطن لمنع الإرهابي المصاب من تفجير الدراجة المفخخة، قبل ان يتولى ذات المواطن عملية تأمين المكان إلى حين وصول التعزيزات الأمنية.
هذه المؤشرات، ان وضعت جنبا الى جنب مع ما يعرف عن التنظيمات الارهابية/التكفيرية، ستقدم بعض الدلالات الهامة، ابرزها ان العملية ووفق ما هو متوفر من معطيات عن كيفية التنفيذ، تم التخطيط لها من قبل منفذيها، ومن بينهم عناصر مورطة في قضايا إرهابية وأخر تحت الرقابة الإدارية، مع الإشارة إلى أن الرقابة الإدارية تفرض على العائدين من بؤر التوتر أو العناصر المسجلة خطيرة. وما يرجح تولى العناصر الإرهابية التخطيط للعملية، نوعية الأسلحة المستخدمة وغياب مجموعة إسناد تتولى تأمين عملية الانسحاب، كما هو معروف عن الجماعات الإرهابية.
كما ان طريقة تنفيذ العملية وفرار العنصر الرابع، تكشف عن ضعف الجاهزية النفسية والبدنية للإرهابيين، وهذا تطور يبيّن مدى تضرر التنظيمات الإرهابية، بكل انتماءاتها، من الحصار المفروض عليها، مما يجبرها على الارتجال، كما هو في عملية قبلي.
عملية يبدو أنها تمت بمباركة من إحدى التنظيمات الإرهابية، كتيبة عقبة او جند الخلافة، دون ان يتجاوز الأمر هذا المستوى ليصل للتنسيق أو الدعم اللوجستي والمادي أثناء تنفيذ العملية، وهذا يشير الى ان الجماعات الإرهابية فقدت قدرتها على الفعل والمباغتة فأطلقت حرية المبادرة لخلاياها وأتباعها في التراب التونسي، ليخططوا وينفذوا عمليات إرهابية.
إطلاق المبادرة لم يكشف عن الهشاشة التي يعيشها التنظيم وفقدانه قدرته على التخطيط والتنفيذ فقط بل كشف ضعف الاستعداد النفسي، الذي كان احد نقاط قوة التنظيم الارهابي ليس فقط في تونس وإنما على الصعيد العالمي.
فالعملية الإرهابية يبدو ان من خطط لها وضع في خطة «ب» تفجير الدراجات النارية في حال الفشل او محاصرة العناصر الارهابية لكن غياب وضعف الاستعداد النفسي حال دون ان يقدم اي من أربعتهم على تفجير دراجته، بل ودفع بعنصر منهم الى الفرار دون القيام بأي فعل. وهذا يبين حالة الوهن وغياب «القادة» عن الجماعات الإرهابية.
وهذه الحالة عادة ما تسبق الانهيار الكلي للشكل التنظيمي المتبع من قبل الإرهابيين، او تكون بداية لظهور مكونات وجماعات جديدة، وفي الحال التونسي يبدو ان 5 سنوات من الحرب على الإرهاب أنهكت الإرهابيين وعززت عزلتهم عن بعضهم البعض مما يمهد إما لقيام بعض الخلايا بمحاولات كما حدث في قبلي او الانسلاخ الكلي عن الجماعات تنظيميا وعقائديا.