لم يدم ابتعاد احمد نجيب الشابي عن الساحة السياسية طويلا، فالرجل الذي امضى حوالي 50 سنة في العمل السياسي قرر العودة من جديد، باطلاقه لمشاورات تأسيس حزب سياسي جديد يراهن على انه سيكون ورقته الرابحة لاخذ مكان له تحت الشمس والبروز مرة اخرى كزعيم وطني، «المغرب» التقيت الشابي في حوار لكشف تفاصيل مبادرته السياسية ورهاناتها وكيف يقيم المشهد العام وعمل حكومة الشاهد وتصوراته للتحالفات الممكنة في الانتخابات البلدية
• أعلنت في 2014 انك اعتزلت السياسة فما الذي دفع بك إلى العودة اليوم؟
إن التزامي السياسي انطلق في بداية شبابي وأنا في ال20 من العمر، لم اعلق العمل السياسي إلا في 2014 ليس بدافع الملل وإنما لضرورة، ففي انتخابات 2014 كنت من المنافسين في الانتخابات الرئاسية والشعب اختار الفريق الحاكم اليوم، وأنا كديمقراطي انحني لنتائج الصندوق وابتعدت حتى اترك لمن انتخبهم الشعب الفرصة لتنفيذ ما وعدوا به الشعب.
بعد أشهر قليلة أمضيتها في الراحة والتأمل والقراءة رأيت أن البلاد لا تتجه في الطريق الصحيح واعتبرت أن الصمت يصبح مشاركة سلبية في الخطا، ولذلك منذ نوفمبر2015 تلمست الطريق لأخذ مبادرة سياسية صحبة عدد من الشخصيات العامة للتدخل في الحياة العامة واخترنا أن ندلي بدلونا من اجل المساعدة على العودة للطريق الصحيح.
هذه الحوارات كانت بغاية خلق تجمع سياسي قوي ضاغط، وهو بالأساس للاستجابة لأمرين، الأول الديمقراطية تتعطل إن فقد التنافس والانتخابات أفرزت قطبين وأحد القطبين انهار وهو قطب الذي انتمي إليه آي العائلة التحررية الديمقراطية الاجتماعية.
• أي حركة نداء تونس؟
نداء تونس هو الذي يمثلها بعد أن فاز في الانتخابات مستفيدا مماسمي بالتصويت المفيد أي انه فاز بأصوات القاعدة الانتخابية المشتركة لجميع مكونات التيار الديمقراطي الاجتماعي، ولكنه انهار غداة الانتخابات وبالتالي عدنا إلى المربع الذي كنا فيه سنة 2011 أي قوة ضخمة في مواجهة شتات مبعثر. يحتاج إلى أن يرتب بيته
الأمر الثاني ان حكومة الصيد كانت تدور حول نفسها وللأسف فإن الحكومة الحالية تحوم حول نفسها أيضا رغم أنه مرت خمسة أشهر على تشكيلها ولا نرى لها نهجا او مشروعا بل تدير الشأن اليومي مما جعل التونسيين يشعرون بالقلق والاكتئاب جراء الوضع .
والحال أن الدور القيادي للحكومة يتمثل في مقاومة الإحباط وبعث الأمل وتجنيد الناس وتعبئة الموارد المالية. لست في موقع مهاجمة الحكومة أو معارضتها فلي فيها عدة أصدقاء أتمنى لهم النجاح بل اخترت موقع المساندة النقدية لأنني أدعمها من أجل نجاح الوطن وتقدمه لذلك أنبه إلى الأخطاء والنواقص.
• بما معناه؟
نحن بحاجة لأمرين، أن يعود التوازن للمشهد السياسي وان تحدد الحكومة اتجاهها فما لم تجد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية حلولا فإن البناء السياسي الذي شيدناه يهدد بالاهتزاز . ولهذا أجريت سلسلة من الحوارات كان الأمل ان تفضي إلى إنشاء تجمع سياسي واسع يقوم على المصداقية ويتقدم بمقترحات مقنعة لكن الاستعداد والتجاوب كانا ضعيفين فالناس اليوم غير مستعدين لإطلاق مبادرة ولم يبق إلا أن اعتمد على نفسي وعدد من الأصدقاء السياسيين لإطلاق مبادرة سياسية تقدم عرضا سياسيا جادا وتمد يدها لبقية المكونات لتحقيق الهدفين اللذين من اجلهما عدت للحياة السياسية.
• لماذا لم تعد إلى الجمهوري أو لم تلتحق بأي كيان سياسي موجود؟
شاهدت خلال حياتي السياسية ثلاث محطات كبرى، ففي نهاية الستينات انخرطت في التيار القومي ثم انتسبت إلى أقصى اليسار وأمضيت فيه فترة تتجاوز15 سنة، وبعد أن تأملت في هذه المسيرة المليئة بالتضحيات اقتنعت أنها طريق غير سالكة، فأسست وجمعا من الاصدقاء التجمع الاشتراكي التقدمي الذي تطور إلى الحزب الديمقراطي التقدمي ثم إلى الحزب الجمهوري، لقد لعب هذا الحزب دورا هاما في الحياة السياسية التونسية
• هل أنت نادم عن تجربة أقصى اليسار ؟
لا أرمي تجربتي ضمن أقصى اليسار بالحجارة، بالعكس كانت تجربة قدمت فيها الكثير من التضحيات من اجل الحرية والتقدم الاجتماعي، أنا لا أنكر هذه المرحلة بل اعتز وافتخر بها، لكن اقتنعت أن طريق أقصى اليسار غير سالكة ، ولما غادرتها لم أندم ولم ألتفت إلى الخلف، كما هو الحال في تجربتي صلب الحزب الجمهوري، إذ اقتنعت أن الحل لا يكمن في التوالد الخلوي للأحزاب الديمقراطية الاجتماعية، بما فيها الجمهوري، ، بل اعتقد أن تونس اليوم في حاجة إلى كيان سياسي جديد قوي يكون قبلة لعشرات الآلاف من الناشطين في المجتمع المدني ومن الشباب والمهتمين بالشأن العام، وهو ما يقتضي أن تنفتح عليهم الأحزاب وعلى همومهم وتستوعب ثقافتهم وتطلعاتهم.
العالم تغير وتغيرت الرؤى والمناهج وحتى المفردات ودخلنا ما يصطلح عليه بالثورة الصناعية الثالثة وما تحمله من قلب لطرق التفكير والتعلم والتعليم والانتاج والاستهلاك والتواصل، لم أغادر الجمهوري لخلاف مع أصدقاء الأمس أو مع الإخوة في أي حزب من الاحزاب الديمقراطية والاجتماعية الأخرى، بل يمكن أن نلتقي معا مستقبلا لكن على أرضية أخرى وفي افق أخر، بل أعتبر الدستوريين أنفسهم قوة وطنية واجتماعية يمكن أن تساهم في بناء الوطن ، صحيح أنهم لم يكونوا ديمقراطيين، لكن من كان ديمقراطيا بالولادة، الجميع ديمقراطيون بالتبني واليوم وقد جبت الثورة ماقبلها فيجب أن ينفتح الناس على بعضهم البعض، ومن هو محل مساءلة من أجل جرائم ارتكبها فالعدالة الانتقالية هي من تتكفل به، أما المجال السياسي فلابد له من أن يقوم على الانفتاح. بعد أن استرجعت استقلاليتي أصبحت أتحرك بأكثر حرية وجعلت يداي ممدودتين من اجل انطلاقة أخرى على أرضية جديدة.
• انطلاقة أخرى في إطار حزب سياسي آم جبهة تجمع كل من أشرت إليهم؟
للقيام بنشاط خيري تنشئ جمعية خيرية، وللقيام بنشاط رياضي تنشئ جمعية رياضية وللقيام بنشاط سياسي تنشئ حزبا، لن نعيد اختراع العجلة، والديمقراطية كما يقول تشرشل، نظام مليء بالمساوئ لكن لم نجد أحسن منه، الديمقراطية تمثل ما توصل إليه الفكر البشري من آليات لتحكم الشعوب أنفسها بأنفسها والاحزاب هي إحدى آليات هذه الديمقراطية.
• ان تتوجه لتأسيس حزب وينتهي الأمر آم تبحث عن إيجاد جبهة سياسية تجمع العائلة التقدمية ؟
المبادرة هي تأسيس حزب جديد على أساس ميثاق وقع نشره فيه جملة القيم والمبادئ والأهداف والرؤى التي توحدنا ونحن الآن بصدد صياغة برنامج يحدد الأولويات الوطنية وطرق بلوغها اثر هذا سنقدم في ندوة صحفية هذه الوثائق والمجموعة المبادرة وعبر وسائل التواصل الاجتماعي والاتصال المباشر سنهيئ العامل البشري الذي سيؤسس هذا الحزب، يبقى أن قناعتي اليوم أن الزمن السياسي الحالي ضاغط وربما مبادرة خاصة من النوع الذي نشتغل عليه ليس لها الوقت الكافي لنستجيب لكل الحاجيات الملحة، وبالتالي تبقى يدنا ممدودة لكل الطيف السياسي الديمقراطي الاجتماعي، وتحقيق مثل هذا التكتل السياسي لا يتوقف علينا وحدنا بل بسائر مكونات العائلة الديمقراطية الاجتماعية التي قد تدفعها الضغوطات الى التحالف والائتلاف ولعب دور وازن في الحياة السياسية.
الانتخابات الأخيرة أثبتت أن التيار الديمقراطي الاجتماعي تيار اغلبي في المجتمع التونسي وهذا التيار الاغلبي الآن يعاني من تشتت لذلك لا بد من تجمع سياسي ينهى حالة اليتم السياسي الذي أصبح عليه ويقدم له رأسا سياسيا يقوده في المعارك القادمة.
• وفق قولك المرحلة الحالية لا يوجد فيها حزب يملأ الفراغ في العائلة الديمقراطية الاجتماعية ولا شخصية ذات كاريزما توحد جزءا من هذه القاعدة، في حين ان هناك مبادرات متعددة منها مبادرة جبهة الإنقاذ؟
تكلمت في عدد من المناسبات بإيجابية عن المبادرة السياسية التي أطلقها محسن مرزوق والتي تستجيب لما كنت أتحدث عنه، وله فضل طرحها على الساحة العامة، أنا التقيت بمحسن مرزوق وبرضا بالحاج، كل واحد على حدة، وأخبرتهما بأني من حيث المبدأ أشاطرهما المبادرة لكن قلت لهما إن شرط نجاحها يتوقف على مشاركة أطياف أخرى معنية بهذه المبادرة وإلا فستظهر وكأنها تجمع لجزء دون الجزء الآخر أو حتى ضد البعض الآخر وبالتالي لا تنجح، لذلك فان تحفظي ليس ضد المبادرة وإنما لعدم توفر شروطها، فلا يكفي أن تكون الفكرة صحيحة بل يجب أن تكون شروطها قائمة والمبادرة الحالية شروطها ليست متوفرة وبالتالي لا يمكن أن التحق بها، ليس لكونها خطأ بل لأنها غير مكتملة الشروط.
• وماهي الشروط غير المكتملة؟
المعنيون بها يجب أن يشاركوا فيها، إلا أن المعنيين بها ليس لهم أدنى استعداد للمشاركة فيها الآن. لقد اتصلت بأغلبهم وأعربوا عن ترددهم، قولي هذا لا يعني أنهم محقون في الرفض، بل هذا هو الواقع الذي يجب أن نشتغل وفق معطياته، لذلك مبادرتنا السياسية ستدخل الساحة ويدها ممدودة لكل الطيف الديمقراطي.
• أي انك ستطلق حراكا سياسيا مضادا للنهضة؟
عندما أقول العائلة الديمقراطية ولا اذكر الطيف الأخر فلا يعني ذلك أنني أقصيه من العملية السياسية. فالديمقراطية دامجة وليست قائمة على الاقصاء. لكن من مقتضيات الديمقراطية التوازن والتنافس بين قطبين كبيرين، وحينما تنظر إلى الخارطة السياسية التونسية مثلما خرجت من الانتخابات ترى أنها تتشكل من قطبين كبيرين أحدهما محافظ ذي مرجعية دينية حافظ على تماسكه والثاني، قطب تحرري واجتماعي غير أغلبي لكنه سرعان ما فقد تماسكه غداة الانتخابات فاختل التوازن بين القطبين. ومن يفكر في مستقبل الديمقراطية لا يمكنه سوى العمل على إعادة التوازن للخارطة السياسية كشرط للتنافس الديمقراطي السليم ومن يتحرج من مثل هذا التوجه يتطلع في الواقع إلى الحفاظ على هذا الاختلال وما قد ينتج عنه من هيمنة داخل المؤسسات التمثيلية، فالإنسان مجبول على بسط هيمنته حتى يجد ما يوقفها كما يقول مونتاسكيو.
• نعود إلى إشارتك إلى أن حكومة الشاهد تدور حول نفسها كما حكومة الصيد، أي انك تعتبر الحكومتين فاشلتين؟
اعتبرت حكومة الصيد فاشلة وعجزت عن تحقيق التقدم وطالبت بتعويضها منذ خريف 2015، أما الحكومة الحالية فعمرها 5 أشهر والتونسيون ملوا تغيير الحكومات ولا يرغبون في التعاطي كل مرة مع وجوه لا يعلمون عنها شيئا، بالتالي أنا لا أضع نفسي في موقع معارضة حكومة الشاهد إنما ارغب في أن تنجح وأعطيها كل السند الممكن للنجاح، لكن الأمر ليس فقط لصداقة مع القائمين عليها بل لنجاح تونس وهذا يعني أننا نلاحظ النواقص وننبه إليها ، واليوم بعد مرور مائة يوم وهي فترة توسم الخير، نلاحظ أن هذه الحكومة لا تزال تدور حول نفسها فلا نرى أولويات، ولا خطة ولا تعبئة للموارد البشرية أو المالية فرغم نجاح مؤتمر 2020 فإننا لا نزال ننتظر تحديد المشاريع ذات الأولوية التي ستضخ فيها الأموال التي وعدنا بها. كما ان الموجود في المخطط الخماسي لا يشبع ولا يقطع مع الرتابة الماضية، في الوقت الذي تحتاج فيه تونس إلى إعادة تشخيص وإلى تقييم وعلاج جديد. شخصيا اعتبر أن هذا يتم عبر ثلاث أولويات كبرى.
• غياب الثقة في الطبقة السياسية أدى إلى عزوف أكثر من الثلثين عن المشاركة في الانتخابات البلدية والتشريعية والرئاسية، بسبب ما يعتبره قطاع واسع منهم صراعا على الزعامة وتغلب الطموح الفردي على المشروع الجامع؟
يجب ان تتسع ثقافتنا الديمقراطية إلى فكرة جديدة. إن حب الذات مكروه في حد ذاته، أما في التنافس على خدمة الناس فليتنافس المتنافسون، وإذا ما نظرت إلى ما يجري في الديمقراطيات المتقدمة (فرنسا، الولايات المتحدة، الخ.) فلن ترى سوى تنافس بين الأشخاص ، ليس لذاتهم بل لما يعرضونه من مقترحات على المجمتع. هذا التنافس لا يحسمه أهل الطموح أنفسهم وإنما المواطنون عبر آليات المشاركة الواسعة والشفافة. التنافس ليس مشكلا في حد ذاته بل هو أمر طبيعي إذا ما ارتقى إلى التنافس بين العروض والمقترحات بعيدا عن المهاترات والتجاذب الذي مقته التونسيون. المشكل هو العزوف عن الانتخابات وهنا أريد القول للتونسيين إن عدم مشاركتهم في الاختيار يعني أنهم يتركون المجال لغيرهم حتى يختاروا عوضا عنهم ، أعلم أن هذا القول لا يكفي لإقناع الناس بالذهاب إلى الانتخابات، فالحاجة وحدها ستضطرهم للانخراط من جديد في العملية السياسية, ولعل الانتخابات البلدية من شأنها أن تقدم فرصة سانحة لذلك، فقد يقوم إئتلاف وطني مدني على أساس تشريك الناس في تشكيل قائماتهم المحلية بعيدا عن النزاعات الحزبية الضيقة وإن تعذر ذلك لعدم توفر شروطه فقد تقوم قائمات ائتلافية محلية بين الديمقراطيين تفرز حراكا قاعديا ينتهي إلى إفراز قيادات جديدة وهذا أمر غير مستبعد فالحاجة أم الاختراع.
• هذا جميل لكن الإشكال يكمن في ان الطموح الشخصي يصبح صداما وينطلق من مقاربة إن لم انتصر فاني اهدم، مما يحول دون خلق تكتل سياسي؟
التسليم بشرعية الطموح السياسي ضرورية في العملية الديمقراطية والمشكلة كما سلف أن قلت ليست في الطموح المشروع وإنما في الاختيار بين المتنافسين من قبل قاعدة واسعة من المواطنين. ففي الانتخابات التمهيدية الأمريكية أو الفرنسية يتقدم العديد من المتنافسين الطامحين للفوز بقصب المسؤولية لكن الحسم في عملية الاختيار يقع من قبل الملايين من المواطنين الذين يشاركون طوعا في اختيار المرشح النهائي لهذا القطب أو ذاك. ومن بعد ذلك يتولى مجموع الشعب اختيار من سوف يتولى المسؤولية لعهدة زمنية محددة. هذه هي الديمقراطية وهذه هي أسسها: التسليم بضرورة الاختيار والتسليم بمشروعية الطموح والتسليم بضروة الحسم من قبل القاعدة الواسعة. لو قبل الساسة عندنا بهذه المسلمات الثلاث لزال الخوف من “الزعامة” ولكف الإعلام عن شيطنة أهل الطموح ولقامت حياة سياسية صحية. هنا يكمن الفرق بين الزعامة السياسية العصرية وبين الروح القبلية الموروثة وأنا غير قلق بل على يقين بأننا سنختزل الزمن في بلوغ هذا المستوى من النضح.
اليوم تونس في حاجة لعرض سياسي جاد بمعنى أنه يقدم حلولا لإخراج البلاد من أزمتها التي دخلت سنتها السابعة كما تحتاج تونس على المدى القصير إلى قيام تكتل سياسي يعيد التوازن للساحة السياسية ويعطي للديمقراطية نفسا جديدا، ومن هنا شرط أن يولد هذا العرض الجديد على الانفتاح على الآخرين، فان لم يكن كذلك فلن ينجح ويفقد صفة الجدية. والعرض الذي نستعد لإطلاقه ضمن مبادرة “الحركة الديمقراطية” يعمل على الاستجابة لهذين الشرطين: التقدم بمقترحات جدية تفتح أفقا أمام البلاد وتوخي سياسة اليد الممدودة تجاه الجميع.
• هل ستشارك بحزبك في الانتخابات البلدية في قائمات خاصة آم ائتلافية؟
سابق لأوانه الخوض في هذا الأمر، فنحن مبادرة لا تزال قيد التحضير. ومن حيث المبدا فإن الحركات السياسية مدعوة للمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية. وفي تصوري فإن المشاركة في الاستحقاقات القادمة تنطلق من تشخيص الظرف الذي تدور فيه وما تتطلبه من مبادرات .
• راشد الغنوشي قال إن الوقت وقت تحالف وان الانتخابات تستوجب قائمات موسعة تشكل الجميع ؟
الاستقطاب الثنائي القائم على الإقصاء والعنف منبوذ, وقد قاومناه في وقته. أما الاستقطاب الثنائي القائم على التنافس والتداول فهو محمود، وفي هذا الإطار فإن الديمقراطية دامجة والاستقطاب الثنائي يقوم فيها على التنافس السلمي والتداول. والتوافق في الديمقراطية اضطرار لا اختيار. بل الاختيار والاصل هو التعدد والسعي إلى خلق التوازن بين قوى متنافسة وتراقب بعضها البعض. أما التوافق فتفرضه نتائج الصندوق ولفترة انتقالية. الأصل في الديمقراطية التنافس والتداول على إدارة الشأن العام أما الاستثناء فالتوافق كما هو الحال في ألمانيا اليوم لعدم حسم نتائج الصندوق لصالح أحد الطرفين المتنافسين تقليديا على الحكم في ألمانيا: الحزب الديمقراطي والمسيحي والحزب الديمقراطي الاجتماعي. الأصل إذن هو التنافس والخوف من التنافس يفتح الباب على منزلقات لا أريد الخوض فيها اليوم. فيما يخص البلديات فدخولها على أساس تقاسم المواقع تحت غطاء “التوافق”غير مقبول، البلديات فضاء للتنافس مفتوح للجميع ويتسع لتمثيل كافة الأطياف، لا إقصاء فيه ولا نبذ ولا تقاسم للمغانم أيضا على حساب العملية الانتخابية
• التوافق بين النهضة والنداء بات شبه تحالف وانسجام، قد ينعكس في القائمات البلدية، فان تم هل ستعتبر الأمر انتكاسة للانتقال الديمقراطي؟
ليس لي علم بان النداء بقيادة حافظ قائد السبسي والنهضة سيدخلان الانتخابات البلدية بقائمات مشتركة ولو وقع ذلك لمثل طعنة للديمقراطية لأنه يخلط الأوراق ولا يقوم على التنافس المطلوب في كل ديمقراطية حتى يتسنى للمواطن الاختيار عن روية ووضوح. النهضة حاملة لمشروع خاص بها وقد حافظت على تماسكها أما الصف الديمقراطي فقد فقد تماسكه ومن مقتضيات الديمقراطية أن تجنح الأطراف الديمقراطية إلى إقامة تحالف بينها لعجز كل منها على إقامة التوازن لوحده. وقد نشأ النداء على أساس هذه المقولة ونجح في ذلك. لذلك فإني استغرب أن يدخل النداء منافسة انتخابية محلية ضمن إئتلاف لا تستسغيه الديمقراطية. ولا يمكن في هذا المجال مقابلة مقتضيات الديمقراطية بمقتضيات المصلحة الوطنية فالديمقراطية اليوم وغدا من كنه المصلحة الوطنية.
• أشرت في بداية الحوار إلى انه لا يكفي أن تفعل الصواب وإنما أن توفر شروط النجاح، فهل المبادرة جاهزة وشروطها متوفرة لتقديم مبادرتك للناس؟
الظرف يتطلب عرضا سياسيا. الجميع يلاحظ الفراغ الذي نعيشه. من هذه الناحية الظرف ملائم. والمبادرة التي نستعد لها تعمل على أن تكون في مستوى الانتظارات. فرغنا من وضع الميثاق ووضعناه على شبكة التواصل فايس بوك قصد دفع الحوار حوله ونحن بصدد إعداد الوثيقة الثانية والمتعلقة بالأولويات الوطنية الكبرى ونأمل أن ننتهي منها قريبا. أما التكتل السياسي الواسع فشروطه تتعلق باستعداد كافة مكوناته وسوف نعمل على إنضاجها.
• تقول إن الشرط هو الانفتاح أي انك تبسط يدك للدستوريين والتجمعيين؟
قلت ان الساحة السياسية في تونس فيها صفان حددهما المجتمع التونسي، احدهما الصف المحافظ الإسلامي والأخر الصف التحرري الاجتماعي الذي انتمي إليه.
• غدا ان طرحت مبادرة للتوحيد هل ستتوجه بها لكل الأحزاب بما فيها الدستورية؟
نعم سأطرحها على الجميع، وان كان البعض يرفض إلى اليوم العمل مع الدستوريين والتجمعين إذ أن البعض لا يزال يفكر بمعطيات الواقع في ظل النظام السابق ولم يدرك أن الثورة تجب ما قبلها. التجمعيون والدستوريون كانوا في مواقع معادية للديمقراطية والثورة أنهت هذه الحالة وباتت الأحزاب أو المجموعات الدستورية تقف على أرضية ديمقراطية وعدم اخذ هذا بعين الاعتبار ومد اليد إليها غير مبرر بالنسبة لي. في التاريخ الإسلامي والإنساني هناك أمثلة عن طي صفة الماضي بمناسبة أحداث كبرى ، أن الديمقراطية مشروع سياسي ضخم يتسع للجميع لا يقف على الضغائن والأحقاد، فمن ناضل فهو مشكور على مقاومته وتضحياته ووعيه بالديمقراطية قبل الآخر، لكن اليوم الديمقراطية للجميع.
وفق ما تشير اليه ، مبادرتك السياسية لن تكون ذات إيديولوجية، بل بناء سياسي مفتوح؟
لا إيديولوجيا لنا، لنا فكر سياسي تم تلخيص مرتكزاته في الميثاق، من قبل به وكان نظيف اليد فمرحبا به.
• كيف تضمن نجاح مبادرتك وأنت تدرك أن الصف السياسي الذي تنتمي إليه، مع الأخذ بعين الاعتبار مبادرة جبهة الإنقاذ، يرفض التوحد أو الالتحاق بمبادرة ما لم تكن صادرة عنه؟
السياسية فن الممكن ، يجب التعامل مع الواقع كما هو فمبادرة محسن مرزوق مثلا اتصلت بعدد من الفاعلين والأحزاب المعنيين بها للاطلاع على موقفهم منها وانتهيت إلى أن ظروف نجاح المبادرة غير موجودة فلم انخرط فيها.
• في السياسة خطأ واحد قد يهدم كل شيء، وأنت في تجربتك الكثير من الأمثلة التي كان خطأ وحيد كافيا لفشل مبادرات وخطط ومنها مبادرتك الأخيرة ؟
هذا وارد وآنا قمت بأخطاء في 2011 و2014 أنا المسؤول عنها، ومنها انه في 2011 أدركت أن النظام السياسي السابق ولى وانتهى ولن يعود فبنيت خطابي السياسي على هذا المعطى لكن البعض بنى خطابه على التخويف من عودة النظام السابق وقد استهوى ذلك الناس، كان علي أن آخذ بعين الاعتبار توجس الناس ولو لم يكن حقيقة. وفي 2014 كنت أخشى من أن تشهد تونس السيناريو المصري فبنيت خطابي على ذلك، اي التحذير من خطر التدخل الخارجي وضرورة البحث عن التوافق، وهذا أسيئ فهمه مما جعل البعض يتساءل “هل أنت معنا أم معهم؟” مما كان له تأثير في الانتخابات. وهذا جعلني أدرك بضرورة الأخذ بعين الاعتبار الحالة النفسية للناس، وعدم تكرار الأخطاء واسعى بقدر المستطاع ، لم تثبت الأحداث إن ما توقعته كان خطأ، لكن عدم الأخذ بعين الاعتبار نفسية الناس يمكن أن يكلفك ثمنا باهظا. لذلك سأستمر في العمل على أساس قناعتي المبنية على التأمل وقراءة العلاقات الدينامكية للواقع مع الانتباه لفن الاتصال والتواصل.