انتشر في البلاد الفساد. انتشر في البلاد المفسدون. انتشرت الرشوة. انتشر المرتشون. كلّ من موقعه يغنم، يتسلّط. كلّ حسب سكّينه يتدبّر، يستأثر، ينهش. الكلّ يرى ولا أحد يتكلّم... لماذا عمّ الصمت الأرجاء وقد وجب التكلّم؟ لماذا أدار الكلّ ظهره وكان على الكلّ أن يواجه الفساد ويقاوم المفسدين؟ غضّ النظر عن الفسّاد فساد وتشجيع مبين للمفسدين...
كيف للجامعة أن تنهض وقد أعرض عنها الجامعيون؟ كيف لمدارسنا أن تستقيم وقد أكلت الأساتذة و المعلمين مطلبيّة لا تنتهي؟ كيف للشركات العموميّة أن تعمل وتكدّ وتعطي مردوديّة وجودة وفيها محسوبيّة واهمال ومال فاسد يدور؟ كيف للتنميّة أن تكون وقد شدّ الأيدي لفّ وعجز ولصوصيّة... أصاب الجامعة والمدارس جمود. أصاب المؤسسات العموميّة والوزارات تكلّس. أصاب الانفس انكماش ويأس فانقلبت الأنفس تسعى الى غير الغاية، الى غير المقصود.الكلّ اليوم ينظر، يتدبّر لحماية نفسه، يجتهد ليغنم من الكسب ما استطاع، ليرتقي في المناصب ولا يمسّه ضرر.قتل الارتزاق الفعل. أظلم التواكل البصيرة. أصبح الفسادصنعة. أصبحت الرشوة فعلا حلالا يأتيها الكبير والصغير...
أنا أستاذ جامعيّ. منذعقود، في كلّ شهر، أنال أجرا محترما. بفضل الجامعة، كنت تعلّمت وكانت لي ترقيّات وعطل.منذ سنين، أرى ما تحياه الجامعة من سوء، من رداءة. كنت أراها وغيري كيف هي في تقهقر، تمشي الى الوراء، الى التعاسة... الكلّ مقتنع أنّ الجامعة التونسيّة في أزمة، أنّها تتخبّط. أنا أراها قد انتهت وقد سكنها مرض خبيث. يعلم الجامعيون والسلط والمتّبعون ما آلت اليه الجامعة من سوء. الكل مدرك ما هي فيه من رداءة، من عبث... لكن، لماذا يسكت الأساتذة الجامعيون وهذه الجامعة في الدرك الأسفل، تغرق؟ لم هذا الصمت المطبق للجامعيين ومن الجامعة يحيا الجامعيون ومنها يكونون؟ لماذا لا يكتب الجامعيون؟ لماذا لا يخرج الجامعيون الى الشارع، يصرخون، يحتجّون؟ لا أدري. لا أفهم لماذا يرضى الجامعيون بما آلت اليه الأمور. لماذا لا يتحرّك الجامعيون وهذه الجامعة تموت؟ هل هو التعوّد؟ هل هوالخوف؟ هل هو الجهل بما يجري في الربوع؟
نفس السؤال أسأله لبقيّة المدرّسين. لم أر أحدا أخذ قلمه وقال كيف ننقذ المدرسة، كيف نصلح التعليم. لم أر صخبا في الشارع كذاك الذي يأتيه أساتذة الثانوي والمعلّمون، غايته النهوض بالتعليم بجودته... شأن المدرّسين، في ما أرى، زيادة في الترقيات، في الأجور. نفس السؤال أسأله الى اطارات شركة فسفاط قفصة وكيف هم في صمت، في لامبالاة وهذه شركتهم، منذ سنين، بين غلق واضراب وتعطيل. كذلك الشأن للأطباء. منذ سنين والمستشفى الجامعي بصفاقس في حرب لا تهدأ بين نقابة عصيّة ووزارة ومدير. فهل للأطبّاء رأي وموقف؟ أفليسوا طرفا في المعادلة؟ ان صمت الأساتذة والأطبّاء والاطارات والعمّال تجاه ما يجري في مؤسّساتهم من عبث، من خروق، من فساد، من تسيّب... هو، ولا شكّ، صمت مريب...