وصدى كلمات لوثر كينج ومن بعده مانديلا تتردد في تونس التي شهدت تنامي اعتداءات عنصرية على ذوي البشرة السوداء. وتنامي التبرير الذي يقوم دائما على القول بأنها أحداث عنف فردية وأنّ التونسيين ليسوا عنصريين في محاولة لنفي واقع يشترك فيه جل من هم على هذه الأرض بشرا وجماد. فنحن عنصريون وإن لم نمارس العنف و نرفع أصواتنا لنعلن رؤيتنا النمطية لمن هم مختلفون عنا.
غير بعيد عن مدرج المسرح البلدي بالعاصمة، القى رئيس الحكومة يوسف الشاهد من نزل، كلمة مداخلته بمناسبة اليوم الوطني لمناهضة التمييز العنصري. ساعات بعد تجمع لطلبة أفارقة احتجاجا على ثلاث عمليات اعتداء عنصرية تعرض لها زملاؤهم الاسبوع الفارط.
لتكون المسافة بين المكانين نزل ومدرج، هي الفاصلة بين حدثين، اعتداء عنصري واعتراف رسمي. فلأول مرة في تاريخ تونس تقرّر الدولة عبر رئيس حكومتها بان العنصرية امر واقعي في تونس، التي ظلت لأكثر من 50 سنة على توقيع الاتفاقية الدولية لوقف التمييز العنصري و60 سنة على الاستقلال وأكثر من 160 سنة على الغاء العبودية.
يوم أمس كان الاعتراف صريحا من رئيس الحكومة الذي اكّد انه حرص على المشاركة في التظاهرة ليعلن عن التزام حكومته بوضع حد للتمييز العنصري، ووقف معاناة مواطنين تونسيين ومقيمين بسبب اختلاف لون بشرتهم التي كانت كفيلة بجعلهم يتعرضون لانتهاكات تمس من كرامتهم الانسانية وحقهم. معلنا ان تونس الحرية والثورة بلد يعاني فيه ذوو البشرة السوداء من الظلم والتمييز.
معاناة الألاف من التونسيين ومن الوافدين عليها، لا تختزل فقط في عبارات وتصرفات تعكس التمييز العنصري الذي بات مستشريا في تونس. بل وفي الخدمات التي تسدى اليهم وفي نسبة تمكنهم من الولوج اليها ، ومدى مشاركتهم في المواقع الاولى.
فوصم اصحاب البشرة السوداء بعدد من «الكليشهات» العنصرية عبر عنه صراحة في 2003 بحملة اعلانية قامت بها شركة اتصالات قدمت السود في صورة الخدم والعبيد. قبل ان تقطع حملتها الاعلانية دون اعتذار او عقوبة. وتلك الحادثة ليست الاولى ولا الاخيرة في تاريخ تونس، التي تمر دون ان يعاقب صاحبها او يعتذر عمّا اقترف من ميز عنصري.
فحادثة تخصيص حافلتين لنقل التلاميذ في احدى مناطق ولاية مدنين، اولى يطلق عليها حافلة الأحرار ولا يمتطيها الا اصحاب البشرة البيضاء، وثانية تحمل اسم «حافلة العبيد»، وهي مخصصة لأصحاب البشرة السوداء. لكن ذلك ظل ينظر اليه على انه حدث معزول لا يمثل انتشار الظاهرة في تونس، ولا يمثل المجتمع التونسي.
مجتمع تونسي يسعى لنكران «عنصريته» حتى حينما يعلم انه وفي جزيرة جربة تفرق العنصرية بين اهلها حتى بعد الموت، اذ يحجر عرفا وتقليدا ان يدفن اسود البشرة في غير المقبرة المخصصة لهم وهي «مقبرة العبيد» كما تحمل من اسم في الجهة.
وهذا الانتهاك ايضا ليس الا حالة فردية توارثها سكان منطقة جيلا بعد جيل، كما يتوارث التونسيون عبارات عنصرية تطلق على من يختلفون عنه، من اصحاب بشرة سوداء او معتنقي ديانة مختلفة او من اصل عرقي مختلف او ميول جنسية.
عبارات يعتبر اصحابها انها لا تندرج في باب العنصرية فهو يقبل الاخر ودليله انه لم يمارس ضده اي عنف مادي، كالذي تعرض له العشرات من اصحاب البشرة السوداء من تونسيين وطلبة اجانب(دول افريقيا) في 1 فيفري 2015، اثر مباراة كرة قدم كانت نتيجتها مبررا لاعتداءات جدت في تونس العاصمة ومدينة صفاقس.
اعتداءات سبقها تعرض مريم توري، طالبة مالية، للعديد من حوادث التمييز العنصري، لتعلن في....