ادوات ادارة الازمة الاقتصادية وتحقيق الانتعاش. ان نجحت في الانتقال بها من مرحلة النوايا إلى أرض الواقع.
المؤشرات الاولية تفيد بان مؤتمر الاستثمار حقق ما انيط بعهدته من رهانات بل واكثر مما راهن عليه منظموه انفسهم، فالمؤتمر الذي عقد في ظل انتقادات بالتسرع وغياب حسن التنظيم وفي مناخ اجتماعي متوتر، كانت جلسته الاولى مفاجئة للحكومة وللمراقبين للشان الاقتصادي، فقد اعلن عن تخصيص اكثر من 8 مليار دولار كمنح وهبات واستثمارات، في الساعتين الاوليين.
هذه المليارات الـ8 بالدولار التي تتجاوز 17 مليار دينار هي أهمّ التعهّدات الماليّة المعلن عنها في جلسة الافتتاح، جاءت بالاساس من الضفة الغربية للبحر الابيض المتوسط وبالاساس من فرنسا والاتحاد الاوروبي عبر مؤسساته المالية وصناديقه السيادية، كالبنك الأوروبي للاستثمار الذي منح تونس تمويلات تقدر بـ2,5 مليار أورو على امتداد 5 سنوات تضاف الى ما اعلنته فرنسا عن استثمار 250 مليون اورو حوالي 600 مليون دينار كل سنة اضافة الى تحويل قسط من ديونها الى مشاريع تنموية.
الدعم الاوروبي ليس هو الجديد في هذا المؤتمر، وان كان حجمه يظل الاكبر في ظل توقعات بارتفاعه، وانما الدعم الخليجي الذي عبرت عنه بقروض وهبات ومنح واعلان عن نوايا الاستثمار، فقطر اعلنت عن دعم تونس بـ 1250 مليون دولار أمريكي اكثر من2.9 مليار دينار تونس، على خمس سنوات لدعم الاقتصاد التونسي.
الدعم الخليجي الذي عبرت عنه قاطرة مجلس التعاون الخليجي، وهي المملكة العربية السعودية التي اعلن الرجل الاول في صندوقها السيادي، صندوق التنمية السعودي، عن منح المملكة لتونس 500 مليون دولار اي 1،2 مليار دينار تونسي، اضافة الي تقديم منحة بـ220 مليون دينار تونسي لولاية القيروان، يضاف اليها القرض الكويتي بقيمة 1.2 مليار دينار حوالي 500 مليون دولار.
هذه التعهدات المعلن عنها من قبل رؤساء حكومات وأمراء دول ومديري الصناديق المالية والسيادية، ليست كلمات مجاملة بقدر ما تعبر عنه من التزام رسمي بمنح قروض ومنح واستثمارات، وهذا يحدث لاول مرة منذ 2011، فمحاولات تونس منذ تلك السنة دفع الدول الكبرى والخليجية الى دعم تونس والاستثمار فيها انتهت الى حصد الكلمات المتفهمة والداعمة دون تقديم اي تعهدات رسمية بالارقام او اعلان عن نوايا الاستثمار.
هذا الفرق ليس الوحيد، فالوضع العام في البلاد ينظر اليه من قبل شركاء تونس والمستثمرين على ان الساحة السياسية تشهد استقرارا وان الحكومة الحالية في وضع مريح يسمح باستمرارها لثلاث سنوات نظريا، كما تؤكده مشاركتهم في المؤتمر الذي عقد في قلب العاصمة التونسية على ان النظرة الى تونس قد تغييرت فهي لم تعد بلدا يعاني من غياب الاستقرار الامني.
تغيير النظرة الذي عبرت عنه الوفود الحكومية المشاركة بالاضافة إلى وفود تضم مستثمرين كبار من فرنسا وألمانيا والصين وتركيا والولايات المتحدة الامريكية، سيكون لها تاثير ايجابي وسيكون دافعا لعودة المستثمرين ان كللت الامور بنجاح وتمكنت حكومة الشاهد من استيعاب كل الدعم وتجاوزت العثرات التي تحول دون تحقيق نوايا الاستثمار.
يوم امس، حققت تونس نجاحا نسبيا في ثلاث نقاط، تواصل الدعم الاوروبي رغم التوطرات السياسية في الضفة الغربية للمتوسط ومخاوف من تاثيرات دعوات التقوقع التي يرفعها اليمين الاوروبي، انتقال الدعم الخليجي من خانة الكلمات الى الالتزام وهو يعتبر تطورا هاما
فطوال السنوات الخمس الماضية كان الدعم الخليجي مقتصرا على ودائع بنكية او قروض بنسب فائض مرتفعة. لذلك فان عودتها للاستثمار وتقديم المنح والقروض بشروط ميسرة يعكس انفراجا في العلاقات معها قد يحمل رياح الاستثمار خاصة وان الصناديق السيادية الخليجية ترقب التطورات في تونس لتقرر القدوم بكل ثقلها للاستثمار.
والنقطة الثالثة وهي الاهم عودة التقييم الايجابي لتونس من قبل المستثمرين، فمجرد قدومهم واعلانهم عن نوايا استثمار يعتبر كافيا لكسر الصورة التي انطبعت في السنوات الثلاثة الماضية عن تونس، وهي صورة غياب الاستقرار السياسي نتيجة التغيير المستمر للحكومات غياب الاستقرار الامني نتيجة الحرب على الارهاب وغياب الاستقرار الاجتماعي.
تطور عكسه قدوم وفد يضم شركات صينية وامريكية كبرى، لها وزنها في بلدانها وهو ما يعني ان استقرار هذه الشركات في تونس سيكون دافعا لبقية المستثمرين الذين ينظرون الى تونس على انها منصة هامة لتصدير منتوجاتهم تجاه اوروبا والشرق الاوسط والدول الافريقية.
هذا التطور لا يعني ان المستثمرين باتوا ينظرون الى تونس على انها جنة الاستثمار بقدر ما ينظر اليها على انها ارض للفرص لكن ذلك مرتبط بتحقيق عدد من الشروط الاساسية، وهي الاجراءات الادارية التي تعتبر عائقا الى اليوم امام المستثمرين المحليين او الاجانب، الاجراءات الديوانية وما تمثله خدمات الموانىء من عنصر طارد للاستثمار بسبب التعطيلات والتاخير، دون الاغفال عن حزمة من القوانين تتعلق بتحويل المبالغ المالية بالعملة الصعبة.
مخاوف المستثمرين ستظل قائمة الى ان تذلل حكومة الشاهد هذه العقبات، ولن يكون ذلك كافيا فهم يراقبون عن كثب مصير المستثمرين، وما سيؤول اليه وضعهم، لذلك فالكرة اليوم في ملعب حكومة الشاهد التي ستكون امام تحدي جعل تونس قطبا استثماريا جاذبا، وهذا ممكن ففي قواعد السوق النموذج الناجح مرغوب، وان نجحت الحكومة في هذه المرحلة فانها قامت بدورها.