يتقاسمون قناعة/ سلوكا مشتركا في نفورهم من العمل بقاعدة " ما لا يدرك كله لا يترك جله "، لذي تهدر فرص عدة لمراكمة المكاسب والممارسات الفضلى. فرص أهدرت يطول الحديث عنها وشرح التداعيات التي خلفها تمسك هذا الطرف أو ذلك بتحقيق الفوز الكامل على خصمه وغريمه، لذلك فوت فرصا لترسيخ قيم ومكاسب وتقاليد تجعلها تقف اليوم على نقائص هذا الخيار والخسائر التي خلفها. والخشية اليوم أن يتكرر التعامل مع الفرص التي تتوفر بتقاطع جملة من العناصر والعوامل المؤثرة، بسبب سوء تقييم أو تقدير للوضع وتمسك بتحقيق الانتصار السياسي على حساب مراكمة المكاسب وتأمينها وتأصيلها كثقافة وممارسة لدى التونسيين.
اذا أعملنا القاعدة السابقة، مع محافظة كل طرف على مقولاته السياسية والحقوقية وموقعه من السلطة ومن قضايا الحقوق والحريات، سنقف على توفر فرصة أمام القضاء التونسي للعب دوره في ترسيخ الحقوق والحريات في البلاد بلعب دوره كحام لها ومدافع عنها.
فقد صدر عن راس السلطة التنفيذية تصريح مفاده ان القضاء هو حامي الحقوق والحريات، وان السلطة تطالبه بلعب هذا الدور.
هنا اذا نظرنا بعين الرضا او السخط، ستبصر كل عين ما تريده ولكنها ستغفل عن كامل الصورة، وهو ان السياسة الجزائية المعلن عنها اليوم تمنح القضاء هامشا لتحقيق مكاسب في مجال الحقوق والحريات اذا لعب دوره بما يقتضيه جوهر القانون وهو تحقيق العدل وحفظ الحقوق وحماية الحريات.
حتى وان كان هدف السلطة وفق بعض القراءات مغايرا لتصريحها. وتذهب إلى اعتبار ان الرئاسة تريد أن تخلي مسؤوليتها السياسية عن تدهور واقع حرية التعبير بالأساس ونزوع القضاء إلى الإجراءات الاحترازية بشكل مفرط في كل القضايا التي تعرض عليه نتيجة ضغطها عليه وتلويحها بمسالة التطهير. او القراءة التي ترى ان السلطة التنفيذية التي تتبنى خيار الضغط على القضاة لدفعهم للانخراط في مسار 25 جويلية تريد بهذا التصريح أن تنفي الانتقادات الموجهة والتي تقيم إجراءاتها بأنها استهداف لاستقلالية القضاء . وان تدحض الوصف ولكن على مستوى الممارسة ستواصل الضغط على القضاة.
وهذا لا ينفى حقيقة موضوعية وهي توفر فرصة أمام القضاء التونسي لترسيخ قيم الحقوق والحريات في البلاد عبر لعب دوره كحام ومدافع عنها، وهذا الدور الذي يمكن للقضاة لعبه بالاستناد لنص التصريح ولما تضمنه الفصل 55 من دستور 2022 الذي ورد في الفقرة الأخيرة منه "لا يجوز لأيّ تنقيح أن ينال من مكتسبات حقوق الإنسان وحرّياته المضمونة في هذا الدّستور. على كلّ الهيئات القضائيّة أن تحمي هذه الحقوق والحرّيات من أيّ انتهاك". فإذ انتهى القضاة في فهمهم للتصريح والنص الدستور على أنهما إقرار لمبدأ عدم التراجع وعدم المساس بالحقوق والحريات المكتسبة اي أن الحقوق والحريات المكتسبة بموجب قانون أو نص آخر لا يمكن التراجع عنها وهو ما يعني تحصين الحقوق والحريات الفردية وفتح مجال تعزيزها. فسيكون عليهم اليوم تحمل مسؤوليتهم في تنزيل هذا الفهم وتطبيقه بهدف حماية المكتسبات والتصدي لأي نزوع للتراجع عنها سواء اصدر ذلك عن أفراد اوعن مؤسسة من المؤسسات . أي أن تونس اليوم وقضاؤها أمام فرصة جديدة لترسيخ الحريات والحقوق كقيم ثابتة تحظى بحماية قضائية، مما يعنى أن القضاة بمختلف أصنافهم ورتبهم سيكونون اليوم مطالبين بتحقيق هذه الغاية. لكن هذا سيظل رهين فهم القضاة للفرصة التي منحت لهم ولفهم المجتمع التونسي أيضا لهذه الفرصة ومدى استعداده لحث القضاء على لعب دوره كحارس للحقوق والحريات، وهذا لن يتحقق اذا لم يستبطن القضاة التونسيون القيم الكونية للحقوق والحريات.
غنحن اننا اليوم امام فرصة جديدة لحث القضاة ودفعهم الى ان يكونوا المؤسسة الرسمية الحامية للحقوق والحريات، اي قوة التعديل والسلطة القادرة على ردع اي انتهاك او تجاوز تقع فيه السلطة التنفيذية بواسطة اي جهاز من اجهزتها