وهو ان تغلق رئاسة الجمهورية امامها باب المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشكل شبه قاطع.
ففي واشنطن وبعد يوم من حذف صندوق النقد الدولي لنقطة مناقشة الملف التونسي من جدول اعماله ليوم الاثنين القادم كان رد فعل الرئاسة الرسمي هو انتقاد الصندوق في مناسبات عدة، سواء بشكل صريح او غيره.
انتقادات حملتها تصريحات الرئيس قيس سعيد التي جاء فيها ان حل الازمة التونسي لن يكون إلا بـ«مقاربة تونسية حصرية» وان البلاد» لا تريد حلولا من الخارج تكون مفيدة بشكل كبير للطرف الذي اقترحها بينما يظل الوضع في تونس دون تغيير»، وأضاف انه لا يمكن لأي طرف أجنبي أن يفرض علي تونس حلوله أو بدائله لمعالجة مشاكلها، وان معالجة ازماتها لن يتم «...لا من قبل صندوق النقد الدولي ولا من قبل أي صندوق آخر».
هذا الموقف الجديد الذي قدمه الرئيس في مناسبتين، الاولى كانت في تصريح صحفي لوكالة تونس افريقيا للأنباء والتفلزة الوطنية مساء الخميس الفارط، جاء فيه التأكيد على أن علاقات تونس الخارجية تقوم على مبدإ سيادة الشعب دون «دروس أو حلول متأتية من الخارج»، وأن قرارات تونس قرارات سيادية تنبع فقط من إرادة الشعب وتطلعاته إلى الحرية والكرامة.
أما الثانية والتي كانت التأكيد على تغيير جدري في مقاربة التعامل مع صندوق النقد الدولي ومن خلفه من القوي الدولية، فقد كانت كلمة الرئيس في أشغال حلقة نقاش «إفريقيا المزدهرة القائمة على النمو الشامل والتنمية المستدامة». والتي نقلها بلاغ صدر عن رئاسة الجمهورية، كلمة خصصها الرئيس للدفاع عن افريقيا بشكل عام وعن تونس بشكل خاص وحملت ذات المضامين السياسية مع رفع حدّة الخطاب الذي عبر عن تصورات الرئيس القائمة على ان العالم الجديد في طور التشكل وان رسمه لن يكون من جانب بل يجب ان يكون جهدا مشتركا على مبدإ المساواة بين الدول.
خطاب حمل في طياته انتقاد حاد للدول الكبرى وللمؤسسات المالية الدولية التي سبق واتهمها الرئيس صراحة وبشكل مبطن بتعميق ازمة الدول الافريقية وشعوبها ومن بينها تونس، ليصف الاصلاحات والشروط التي تفرضها «دوائر النقد والمال العالمية» بسكب النار على البنزين ليقول عنها انها «..بل هي بمثابة الكيّ بالنار أو عود ثقاب بجانب مواد شديدة الانفجار».
ولم يقتصر نقد الرئيس على المؤسسات المالية الدولية بل نقد ضمنيا الدول الكبرى والمح الى انها تعمل على تقسيم الكرة الارضية الى « شطر أول للأثرياء » وشطر ثان يعجّ بالخيرات ولكن يتفاقم فيه الفقر ويقضي من الجوع والحروب آلاف الآلاف من البشر»، وهو اتهام مبطن باستغلال خيرات هذه الدول ونهبها.
وهذا كان بمثابة تمهيد للخطوة الرئيس القادمة وهي توجيه طالب بإسقاط الديون التي تراكمت منذ عقود و استرداد الأموال المنهوبة من عديد الشعوب الإفريقية ومن بينها الشعب التونسي. وهذا على مسامع قادة الدول الافريقية والرئيس الامريكي.
وان اردنا حوصلة تصريحات الرئيس وكلمته في القمة الثانية لقادة امريكيا وأفريقيا. فان النتيجة ستكون بيانا مناهضا للمؤسسات المالية الدولة وللقوى الكبرى. التي يطالبها الرئيس بان تلغى الديون وان تتوقف عن فرض خياراتها على الدول الافريقية لا تخدم إلاّ مصالح هذه القوى الدولية.
كلمات ستطلق سلسلة من الاحداث والتطورات وستكون بمثابة اول حجر يسقط في سلسة الدومينو، وستكون أولى تداعيات هذه الكلمات هي تقليص هوامش حركة حكومته ان تعلق الامر بتعبئة موارد مالية لسد عجز ميزانية 2022 وتوفير اعتمادات لتمويل ميزانية 2023.
هنا من الواضح والجلي ان الرئيس لا يرفض المفاوضات مع صندوق النقد او مع المؤسسات المالية بل هو يرفض ان تكون هذه المفاوضات مشروطة بالقيام بإصلاحات اقتصادية ومالية لها تداعيات اجتماعية، وهذا سيعقد مهمة الحكومة في الوصول الى اتفاقات مالية كما يرسم لها خطوطا حمراء للإصلاحات مما يعني انه يسحب منها القدرة على ايجاد أي مخرج.
فالرئيس هنا يضع الحكومة امام معضلة من الصعب ان تعالجها دون اللجوء الى خيارات من بينها الاقتراض الخارجي او التفويت في بعض المؤسسات العمومية او الى التقشف والتحكم في الانفاق العمومي عبر تقليص حجم نفقات الدعم او كتلة الأجور. وهنا ستكون حكومة نجلاء بودن كمن تقيد يداه ويلقى في اليم ويطلب منه ان لا يبتل بالماء.
بعد خطاب الرئيس في واشنطن: هل ستستطيع الحكومة تمويل ميزانية 2023؟
- بقلم حسان العيادي
- 11:21 19/12/2022
- 947 عدد المشاهدات
يبدو أن تصريحات الرئيس قيس سعيد في واشنطن خلال الساعات الفارطة وضعت حكومته امام مأزق ما كانت لتتخيله في اسوء الفرضيات التي وضعتها.