وممارساتها، بما يبعث الحيرة هل نحن امام حالة فصام ام اننا ازاء توزيع للادوار بين الرئيس والحكومة اذ تضمن البلاغ فقرة جاء فيها «وأكد رئيس الجمهورية حرصه على مقاربة هذه القضايا مقاربة جديدة تقوم على العدل والإنصاف وعلى عدم تخلي الدولة عن دورها الاجتماعي. مشيرا إلى أن الحل الناجع يجب أن ينطلق من إرادة الشعب، ولن يكون هناك تفريط، كما يدعي البعض، في المؤسسات والمنشآت العمومية».
هذا المقتطف من البلاغ الصادر يوم الاربعاء الفارط في ظاهره اعلان بأنه لن يقع التفريط في المؤسسات والمنشآت العمومية»، وهو ما التقطه الاتحاد العام التونسي للشغل وثمنه على لسان امينه العام الذي يلتقي هنا مع الرئيس في رفض فكرة التفويت في المؤسسات او المنشات العمومية وان كانت له «احترازات» على جدية هذا التعهد (انظر مقال دنيا حفصة).
قبل الغوص في فهم دلالات هذا البلاغ الذي يعمق ضبابية المشهد وجب التذكير بان الحكومة التونسية التي امضت اتفاقا اوليا مع خبراء صندوق النقد الدولي تعهدت في خطتها الاصلاحية بالتفويت الكلي او الجزئي في عدد من المنشات والمؤسسات وشرعت في تطبيق هذه التعهدات بقرارات صدرت خلال الاسبوع الجاري تقر بتفويت الدولة في مساهماتها في عدد من البنوك وفتح راس مال شركة الفولاذ.
توجه يؤكد ما صرحت به مديرة صندوق النقد الدولي كريستينا جورجيفا حول تقديم حكومة بودن للصندوق لخطة اصلاحات تضمنت التفويت في مؤسسات عمومية اضافة الى جملة من الاصلاحات الاقتصادية التي مهدت الى الاتفاق الاولي في انتظار قرار مجلس الصندوق في ديسمبر القادم، مع العلم ان صندوق النقد اشترط ان تكون خطة الاصلاحات مدعومة من رئيس الدولة.
وهذا ما يرجح اننا امام تناقض ظاهري داخل اروقة السلطة التنفيذية فقط، وان خطاب الرئيس والحذر في استعمال الكلمات التي وقع اختيارها بعناية هو تاكيد على سعي صاحب السلطة الى طمأنة الشارع بالتأكيد على ان دور الدولة الاجتماعي والتنموي لن يقع التخلي او التراجع عنه دون ان يتورط في موقف واضح ومباشر بشان مصير المؤسسات والمنشآت العمومية.
فالرئيس لا يمكنه ان يتعهد بما يتناقض مع ما اقره للحكومة من خيارات وسياسيات، اذ انها لم تلتزم وتتعهد لصندوق النقد الا بعد ضمان دعم الرئاسة لخطتها، وهنا نكون امام تجسيد ازمة الدولة التونسية وهو ان هيمنة السياسيوي تحول دون ان يتحمل من يحكم مسؤولية الحكم وان يصارح التونسيين بالوجهة التي تمضي اليها الدولة.
هيمنة ادت اليوم الى ان نكون امام معضلة جوهرية تتعلق بفهم السلطة لحدود المناورة السياسية والخطابية، وان تعاظم حجم التناقضات الظاهر بين الخطاب السياسي لرئاسة الجمهورية وبين اجراءات الحكومة وتعهداتها سيعزز الانطباع بان السلطة في حالة تخبط وان الحكومة تتبع سياسات متناقضة جوهريا مع الرئيس.
فما يسوقه هذا التلاعب اللفظي ومحاولة الايحاء بأنه لن يقع التفويت في ملك الدولة ومؤسساتها.ليس فقط ابراز التناقض بين الرئاسة والحكومة فقط في ملف التفويت في المؤسسات العمومية، أي كان الموقف من هذا الخيار، وتسليط الضوء على اختلاف في وجهات النظر داخل السلطة التنفيذية. بل هو ايحاء للشارع بان الرئاسة ستقف ضد التفويت في عدد من المؤسسات والمنشات العمومية، مع ترك باب لتأويل معنى التفويت بما يجعله قابلا للتمدد لاستيعاب التطورات القادمة.
هنا نقف على حجم الخطر الذي قذفت اليه الدولة التونسية ببلاغ صادر عن راس سلطتها التنفيذية التي بحثت عن طمأنة التونسيين فتلاعبت بالمفردات وغفلت عن انها امام حتمية لا مناص لها منها وهي ان تلتزم بتعهداتها مع صندوق النقد الدولي لتجنب اية تداعيات سلبية لنقض الاتفاق وان فقط بإسقاط بند منه.