وما ستتلوه من ايام ستكشف عن تداعيات هذا الحكم القضائي على المسار السياسي لرئيس الجمهورية وكيفية معالجته للأمر.
فالحدث وان كان بالأساس قضائيا يتعلق بحكم ابتدائي صدر عن المحكمة الادارية بوقف قرارات اعفاء قضاة إلا ان آثاره المنتظرة على الساحة السياسية هي التي تمنحه هذه الاهمية في المشهد التونسي. اذ ان القرار الذي انتصر في جزء منه لمجموعة من القضاة المعفيين ولهياكلهم المهنية يمثل انتكاسة لرئاسة الجمهورية باعتبارها الجهة التي اصدرت قرار الاعفاء في جوان الفارط واستندت فيه الى ما اعتبرته ادلة وبراهين لا تقبل الدحض او النقض على سلامة خيارها.
خيار كشفت المحكمة الادارية انه لم يكن مستند إلى ادلة ثابتة وملموسة تبرر قرار الاعفاء. وهذا ما من شأنه ان يولد حرجا سياسيا لرئاسة الجمهورية التي سيتكون مطالبة بشرح ما حدث وبكشف الخلفيات التي استندت عليها لاصدار قرارات الاعفاء التي شملت 57 قاضيا وقاضية.
ولن يقف الاحراج السياسي الذي ستتعرض له رئاسة الجمهورية عند نقطة شرح ما حدث، بل ستكون امام حتمية تحمل مسؤولية ما حدث خاصة وان الرئيس وفي تبريره لقرارات الاعفاء تطرق لما اعتبره ادلة دامغة عن فساد وسلوك غير اخلاقي واهمال وتلاعب بالملفات تورط فيه القضاة المعفيون من مهامهم بامر رئاسي.
تهم قال الرئيس انها تستند الى ادلة وحقائق تضمنتها تقارير موثوقة، قبل ان تسقط المحكمة الادارية هذا القول بحكمها وتضع الرئيس وحكومته امام حتمية معالجة الاضرار التي لحقت بعشرات القضاة ممن وقع التشهير بهم والتنكيل بهم على مواقع التواصل الاجتماعي انطلاقا من التهم التي وجهها الرئيس اليهم.
تهم مست من اعراضهم وسمعتهم ولن يكون من الممكن المضي دون ان يتحمل طرف ما المسؤولية، وهنا يكمن الاحراج بالنسبة لرئاسة الجمهورية. فهي اذا اذعنت لحكم المحكمة الادارية ستكون مطالبة بان تسائل الوزراء الذين اشرفوا على ادارة ملف القضاة المعفيين والذين مكنوا الرئاسة من الملفات التي استندت عليها عملية الاعفاء.
مساءلة لمن اخل بواجبه ورد الاعتبار لمن لحق بهم الضرر قد تكون بداية مسار تجاوز تداعيات هذه الازمة القضائية/السياسية. ولكن هذا غير كاف ما لم يقع استيعاب الدروس التي استخلصت خلال الشهرين الفاصلين بين صدور قرار الاعفاء وصدور حكم المحكمة الادارية.
والدروس هنا تتعلق بالأساس بكيفية ادارة شؤون الحكم والدولة، اذ لا يمكن ان تستمر ادارة الدولة من مقاربة انطباعية وباحكام مسبقة تكون هي المرجع الاساسي في معالجة الملفات او الاقتصار على معالجة احادية لا تسمح بمراجعة ما يقع استخلاصه من معطيات او استنتاجات دون التمحيص فيها قبل اصدار القرار او اتخاذ الخيار مما قد يؤدي الى فشل لن تتمكن السلطة السياسية من تجاوزه الا إذا دفعت الثمن.
وثمن هذا الخطإ الذي وقعت فيه الرئاسة سيوضح خطواتها القادمة وخيارها في التعاطي مع الحدث وما يفرضه عليها من ضرورة مراجعة سياسيتها العامة وطرق وآليات عملها.