وأنّه بإمكان أيّ مواطن/ة الاطلاع على هذه المجلّدات المدونة لفهم سياقات إنتاج الدساتير والعوامل المؤثرة في اتخاذ هذا الموقف أو ذاك أو حتى التراجع عنها، والمرجعيات التي تحكّمت في طرائق فهم عدد من المصطلحات والمفاهيم إلى غير ذلك من المسائل التي جعلت الباحثين/ات شغوفين بالتمحيص في هذه المسارات التاريخية والقانونية والاجتماعية...
والواقع أنّ النصوص المدوّنة والمرئية التي توفّرت حول الأعمال التحضيرية تسمح بإجراء المقارنات بين الدساتير التونسية والدساتير العربية أو الإسلامية وغيرها، وتساعد على فهم موقع تونس مقارنة بغيرها من البلدان وضبط تاريخها الدستوري -السياسي- والاجتماعي.
ولنا أن نتساءل في هذا السياق هل أنه بإمكاننا اليوم أن نتحدّث عن «أعمال تحضيرية» ومداولات تبيّن أنّنا مجتمع قد تدرّب بالفعل على النقاش والحوار وطوّر أساليب التفاوض والضغط وصاغ دستورا وفق مبدأي التشاركية والكتابة الإدماجية؟
من هذا المنطلق نرى أنّ ما يعرض على التونسيين/ات ، أي «الدستور» (مع تحفظنا على استعمال هذا المصطلح) لا يعبّر إلاّ عن تصوّرات صاحبه الذي يريد أن يشرّع وأن يملك مفاتيح التأويل ودلالات المعاني ولا يريد أن يفصح عن «نواياه» معتبرا أنّه العالم الذي لا يسأل عن مشروعه ومقاصده بل يكتفي بممارسة سلطة إصدار نص يشغل النخب ويدفعها إلى إنتاج قراءات وتأويلات والإعلان عن مواقفها... ولنا أن نستنتج كيف تسنّى «للمشروع» إحكام اللعبة فهو في المركز والنخب في الهامش، وهو يعرف دلالات المعاني وأسرار اللغة والنخب في وضع التابع وإذا أدركنا موازين القوى جاز لنا القول: هل بإمكان التابع أن ينتج نصّه؟
إنّ رفض الكتابة المشتركة للدستور والإصرار على حقّ الاستئثار بالكتابة الشخصية يشرعن تسمية هذا «الدستور بـ«الدستور القيسي» أو«دستور قيس سعيّد» ويشير في الوقت ذاته إلى غلق مسار الانتقال الديمقراطي بالأسس التي قام عليها (الديمقراطية، الحوكمة الرشيدة، العدالة، المساءلة، المحاسبة، ...) وتدشين مرحلة العودة إلى حكم الفرد أو الثيوقراطية/التسلطية/... وبهذا يتسنّى لرجل القانون وأستاذ الجامعة التونسية أن «يدخل التاريخ» ولكن من أي باب؟
ليس أمام قوى الرفض إلاّ التحليل والتنديد والفضح والتحذير من المخاطر والتنبيه إلى التراجع
فالكرامة التي كانت محفّزا على الثورات والاحتجاجات غابت في النسخة الأخيرة من «الدستور» والكرامة التي ألح اللبناني شارل مالك على إدراجها في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان لم يعد لها مكان في «دستور سعيّد» والكرامة الحاضرة في عدد من الدساتير العربية والإسلامية اندثرت. فكيف لمن أصرّ على التصدّي للحقرة وتصحيح المسار والرجوع إلى قيم الثورة والشعارات التي رفعها الشبان/الشابات «كرامة وطنية» والانتماء إلى الأمّة أن يسقط الكرامة، وهي التي اتفق العرب والمسلمون على أنّها من أسمى القيم؟.
ليس أمام قوى الرفض إلاّ أن تغادر «السقيفة» «لتلمّ الشمل» وتمارس النقد الذاتي ثمّ ترمّم وتعدّل وتصلح وتعمل وفق قواعد جديدة تتلاءم مع السياق الحاضر، وعليها أن تسرّع بالقيام بالمراجعات الأساسية ويتعيّن عليها أن تعقد الندوات الصحفية لتعلن أمام الجماهير أنّها فهمت الأخطاء وأدركت الإخلالات وانتبهت إلى الخسائر، وأنّها مسؤولة عمّا وصلنا إليه وأنّها قادرة على تغيير التموقع والخطاب وطرائق التعامل مع عموم التونسيين.فالتونسيون/ات ليسوا أرقاما في المعادلة وخزّانا انتخابيا و«جماهير» يشكّل وعيها ويتلاعب بمشاعرها وموضوعا للبحث والدراسة التي يطلبها الممول وفق قواعد «الأنجزة» NGIOS/...
التونسيون/ات عاقبوا وسيعاقبون من يتعامل معهم على هذا الأساس وتشفّوا ممن اتّخذهم أداة لتحقيق المصالح.