بما خلّفته فترة حكم النهضة/الإسلام السياسي، ومن سار في ركابها من «مآس» و«معاناة» هيمنت على الذاكرة والمتخيّل فصارت هي الموجّهة للقراءة ... بعيدا عن كلّ المداخل القانونية والدينية والاجتماعية والنفسية الموضّحة لطرائق تقبّل «النخب» للدستور... بعيدا عن المغالطات والقراءة الانتقائية والأيديولوجية والمتحزبة التي تغض الطرف عن مفاهيم وردت في دستور 2014 ذات صلة بالتراث الفقهي والانتماء الهوياتي ولكن يعلو صوتها اليوم، للتحذير من عواقب دستور «داعشي» «سلفي» «نهضاوي»... نرى أنّه من المفيد التفكّر في بعض هذه المسائل:
- أوّلها ما يتعلّق بالخلط بين مقاصد الشريعة ومقاصد الإسلام إذ يضم الإسلام حسب العلماء هذه الأركان: الإيمان – الأخلاق – الشريعة، ومن هذا المنطلق فإنّ مقاصد الشريعة المرتبطة بحفظ الضروريات (حفظ الدين، حفظ النفس، حفظ العقل، حفظ المال، حفظ النسل) هي جزء من مقاصد الإسلام المتعدّدة التي يفترض أنّها تعمل على تحقيق سعادة الأفراد، والتي صارت الدولة وفق الفصل الخامس من الدستور الجديد، تحتكر سلطة تحديدها وسبل تنفيذها. وبما أنّ الفكر المقاصدي فكر ترتيبي وتركيبي فقد انطلق المشرّع بالفعل، في التصرّف في الترتيب الذي ضبطه الشاطبي حين قال: «الأصول الكلية التي جاءت الشريعة بحفظها خمسة: وهي الدين والنفس والعقل والنسل والمال (فاستبدل حفظ العقل بالحرية وليس ذلك في اعتقادنا إلاّ علامة على أنّ الحاكم (لا الدولة) قد جوّز لنفسه أن يكون «المجتهد»/المعلّم الوحيد وصاحب الوعي المقاصدي فاحتكر بذلك سلطة الـتأويل إذ صار بإمكانه وفق الدستور أن يحدّد بمفرده المقاصد ومدى مشروعيتها وملاءمتها للسياق الحاضر...وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنّ من مهمّة السائس المسلم حفظ الدين والعمل على الدعوة إليه والدفاع عنه بمحاربة «المرتدين» ولذا كانت السلطة السياسية وفق الشاطبي، ضرورة من ضرورات الدين واعتبر تأسيس الدولة من مقاصد الشريعة.
- وثانيها، ما له صلة بانتماء تونس إلى الفضاء العربي الإسلامي «الأمة» وما يترتّب عنه من فتح أفق القراءة على تجارب سابقة نظرت إلى الحقوق في ضوء الفكر المقاصدي أو براديغم «مقاصد الإسلام» فابتعدت بذلك عن القراءة الحرفية للنصوص الدينية lecture littérale والتطبيق الآلي لها لتمارس الاجتهاد وتواجه ردود فعل الجماعات الأصولية والمحافظين على حدّ سواء. ويمكن أن نشير في هذا الصدد، إلى اجتهادات العلماء/العالمات في ماليزيا وفق الفكر المقاصدي والتي شملت حقوق النساء(الخروج أيام عدّة المتوفى عنها زوجها للعمل وممارسة عدّة انشطة...)، والحقوق المالية (البنوك الإسلامية) وغيرها. غير أنّ الفصل الخامس لا يعير أهميّة لهذه الجهود الجماعية التي أدّت إلى تفعيل أو تنشيط حركة الاجتهاد في بلدان أخرى رأت أنّ مشاريع الإصلاح ينبغي أن تكون من داخل المنظومة الإسلامية، وأن تفك الارتهان المعرفي مع الغرب. فربط التأويل بسلطة علوية(وحدها/ه) لا نحسب أنّها ملمّة بتطوّر الفكر المقاصدي والنقد الموجّه له، هو حجّة على السير في اتّجاه الانغلاق وأحادية الفكر وضرب الوصاية على الآخرين ، وهو يتعارض مع الانفتاح الذي تأسس عليه الفكر المقاصدي.
- وثالثها أنّ القراءة المقاصدية تمثّل الإطار العامّ للدستور ومرجعًا معياريًا ، وهو ما نلمحه في الـتأكيد مثلا على أهميّة مؤسسة الأسرة(فصل 12)، وربط التنشئة الاجتماعية والتربية والتعليم بالهويّة الإسلامية (فصل 44) وتنصّل الدولة من رسم سياسات تفرض التناصف الأفقي والعمودي في كلذ القطاعات (الفصل 51)، ولعلّ ما يسترعي الانتباه في اعتماد الفكر المقاصدي هو تحديد المرجعية فهل أنّ الحاكم سيتبنى فكر الشاطبي أم ابن عاشور؟ وهل سيعمل باجتهادات فضل الله وغيره أم أنّه بإلغاء حفظ العقل قد تخلّى عن التيار الرشدي حين أعلن ابن رشد أنّه في حالة «التعارض» بين العقل والنصّ «تؤوّل» النصوص بقدر ما تسمح اللغة حتى تتوافق مع العقل؟.
قراءة أولى لنصّ الدستورالمقترح/ المفروض على التونسيين/ات
- بقلم امال قرامي
- 12:58 04/07/2022
- 3641 عدد المشاهدات
بعيدا عن القراءات الانفعالية المعبّرة عن الصدمة، والخوف وخيبة الأمل واليأس والحنق...وبعيدا عن التأويلات المتسرّعة الكاشفة عن أطر الفهم المسيّجة