لدى الكثيرين، ويتجلّى ذلك في التقاعس عن أداء الواجبات واللامبالاة والإهمال والفوضى وعدم الاهتمام بما يعانيه الآخرون، وكذلك شيوع أنماط من السلوك السلبي كإفساد الممتلكات العامة، وإلحاق الأذى بالناس إلى غير ذلك من التصرفات. وقد حاول عدد من الباحثين من اختصاصات مختلفة كعلم الاجتماع وعلوم التربية وغيرها من العلوم الإنسانية اقتراح مفاهيم ومصطلحات ونظريات جديدة قادرة على تغيير أشكال التنشئة، وكفيلة بالنهوض بالفرد حتى يبلغ النضج والوعى الإنساني بقضايا مجتمعه فيصبح مواطنا فاعلا ومسؤولا.
ومن أكثر المصطلحات التي شاعت وأثارت اهتمام عدد من الفاعلين في السنوات الأخيرة، لاسيما بعد التحولات التي مرّت بها المنطقة مفهوم «المسؤولية الاجتماعية». ويمكن تبرير كثرة تداوله بالحاجة الماسّة إلى تغيير السلوك والعقليات بعد ارتفاع منسوب العنف والتطبيع مع عدد من أشكاله واستشراء ظواهر كثيرة كالانتحار والتعصّب والعنصرية وغيرها.
وتُعرّف «المسؤولية الاجتماعية» بأنّها بلوغ الفرد درجة من النضج والوعي بمسؤوليته عن الجماعة التي ينتمي إليها، واستعداده لتحمّل أعباء تحقيق مصلحة ما للمجتمع، وسعيه إلى أن يضطلع بدور هامّ حتى يغيّر الواقع المأزوم. ومعنى هذا أنّ «المسؤولية الاجتماعية» هي إحساس أفراد المجتمع بمسؤوليتهم تجاه أنفسهم وتجاه الآخرين من أفراد المجتمع والتزامهم بأداء واجباتهم المواطنية. وتتجلّى هذه «المسؤولية الاجتماعية» من خلال مؤسسات متنوعة كالمؤسسات التربوية والجامعية (العمل التطوعي الاجتماعي)والدينية(بثّ التوعية وحثّ الناس على تغيير سلوكهم، والتصدّي للعنف...) والثقافية والاقتصادية، وفي جمعيات متعددة تعمل مثلا على الاستعداد للعودة المدرسية بتلبية حاجات بعض التلاميذ أو ترميم المدارس أو تهيئة الشواطئ قبل «موسم» السباحة إلى غير ذلك من الأنشطة الميسّرة لحياة الناس والمعبّرة عن التضامن الإنساني وأخلاق الرعاية.
غير أنّ المتابع لنسق الأنشطة في بلادنا في الأشهر القليلة الماضية، يلاحظ تقلص هذه الحملات، وهو أمر لا يعزى في نظرنا، إلى عدم الاقتناع بضرورة تحمّل المسؤولية الاجتماعية بل نقدّر أنّه راجع إلى المناخ العامّ السائد الذي يؤثّر في الأمزجة والأداء فيجعل أغلبهم غير قادرين على استيعاب ما يحدث من تحولات وفهم القرارات التي تتخّذ نيابة عنهم. وعندما تضيع البوصلة ويهيمن الغموض والضبابية على الأفراد ويسود التشويش الإصطلاحي(قانون، دستور، أوامر، قرارات، أمّة،شعب، ...) تخفت الرغبة في العمل والتغيير.
ولكن هل بات المجتمع المدني يعيش حالة من السلبية والركون والتكلّس في ما يتعلق بالنهوض بأعباء مسؤوليته الاجتماعية تجاه ما يحدث؟ وهل للحدّ من التمويل الأجنبي انعكاسات على مستوى تنظيم الأنشطة الرعائية؟ وهل فقد مفهوم المسؤولية الاجتماعية فاعليته ونجاعته في البيئة التونسية فلم يستطع أن يتجذّر في سياق مأزوم ومع أفراد باتوا يؤمنون بالخلاص الفردي لا الجماعي، ولا يرون في التعلّق بالوطن والصمود والتضحية إلاّ شعارات لا تسمن من جوع ؟ وهل تشهد المسؤولية الاجتماعية في الوضع التونسي حالة أزمة مخبرة عن أزمات هيكلية؟ وهل أضحت الفردانية بديلا عن المسؤولية الاجتماعية بحيث صار الشعار الملائم للمرحلة :»اخطا راسي واضرب»؟
إنّ هذا السعي الدؤوب إلى البحث عن مخرج للفرار من البلاد والاستقرار بالخارج يثير أكثر من سؤال حول الإصلاح والتغيير واستشراف المستقبل وبناء الوطن وتحقيق التنمية. فالمتأمّل في هجرة المهندسين والأطباء وأساتذة الجامعة وغيرهم من المنتمين إلى قطاعات حيوية لا يسعه إلاّ أن يقرّ بحجم المخاطر التي تترصّد بنا والمتابع لسلوك الذين كفروا بالقانون والقيود والحدود والضوابط بدعوى «سقوط دولة القانون والمؤسسات» يدرك هول الفاجعة.
التونسيون/ات و«المسؤولية الاجتماعية»
- بقلم امال قرامي
- 14:44 28/06/2022
- 1381 عدد المشاهدات
أظهرت دراسات عديدة اهتّمت برصد التحولات التي تمرّ بها المجتمعات «العربية» المعاصرة وجود ضعف في الشعور بالمسؤولية