وهذا بعد أن أقدمت وكالة موديز(Moody’s) على تخفيض مماثل لترقيم تونس يوم 15 أكتوبر 2021 من (B3) إلى (Cac1) أي أن تونس في كلا الترقيمين السياديين قد نزلت لأول مرة إلى مستوى «C» أو «ج» أي المخاطر المرتفعة جدا في ما يتعلق باستدامة الدين العمومي،أي بقدرة البلاد على سداد ديونها الخارجية ..
بعد أن كانت تونس على أبواب الدرجة الأولى في التصنيف الائتماني سنة 2010 ما فتئنا نتراجع من سنة إلى أخرى إلى أن دخلنا الآن عند هاتين الوكالتين إلى الدرجة الثالثة (C) أي درجة المخاطر المضاربية المرتفعة للغاية وهي أسوأ رسالة يمكن أن نبعث بها إلى كل شركاء البلاد من دائنين ومستثمرين ومقرضين محتملين، وهذا لن يؤثر - فقط - على ارتفاع غير مقدور عليه لنسب الفائدة لو رمنا الخروج إلى الأسواق العالمية للاقتراض منها بل وكذلك على مبادلاتنا التجارية حيث لن نقدر على استيراد السلع والمواد الضرورية بالشروط السابقة من آجال الخلاص ولقيمة التامين بل سنضطر بصفة متصاعدة إلى اقتناء المحروقات والحبوب والدواء مع الخلاص المسبق وهذا ما سيزيد من صعوبة تزويد الأسواق وفي الضغط على مخزوننا من العملة الصعبة وبالتالي على قيمة الدينار تجاه العملات الأجنبية..
ويعود العنصر الأساسي في تراجع تصنيفنا السيادي إلى عاملين مزدوجين : غياب برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي وعدم التوافق الداخلي على الإصلاحات الهيكلية الضرورية .
صحيح أننا بصدد إجراء محادثات أولية مع صندوق النقد الدولي وصفها المتحدث باسم الصندوق بالإيجابية وأننا سنستقبل في نهاية هذا الشهر وفدا جديدا قصد مزيد الحوار حول إمكانية إبرام اتفاق جديد مع الصندوق ولكننا نعلم جيدا أن الشرط الأساسي لصندوق النقد هو عرض الحكومة التونسية لبرنامج إصلاحات جدي يكون محلّ توافق داخلي واسع وتكون الحكومة قد تمكنت من إقناع عموم التونسيين بجدواه وفائدته،وكل هذه الشروط غير متوفرة اليوم بل الأهم من كل ذلك أن لا أحد يعلم ماهو الموقف النهائي لرئيس الدولة من هذا المسار وماهي الإصلاحات الضرورية التي سيدعو عموم التونسيين الى العمل وفقها.هذه الوضعية – فيما يبدو – لن تتغيّر في الأسابيع القادمة لأن لا أحد يتصور أن يخرج رئيس الدولة إلى التونسيين ساعيا إلى إقناعهم بالرفع التدريجي للدعم وبتجميد الأجور والانتدابات في الوظيفة العمومية لسنوات قادمة ..وما دام رئيس الدولة متمسكا بالصمت في هذه المواضيع الأساسية سيكون موقف الحكومة ضعيفا للغاية في نقاشها مع صندوق النقد خاصة وان الشريك الاجتماعي الأقوى والاهم – الاتحاد العام التونسي للشغل – رافض بوضوح وبصرامة لكل هذه الحزمة من الإصلاحات .
يبدو أن السلطة القائمة لا تقيم للزمن وزنا خاصا ولا هي مدركة لخطورة أوضاع البلاد المالية اليوم والاقتصادية والاجتماعية تباعا ولا هي أدركت عبثية المسار السياسي الذي نسير فيه اليوم والذي لن يؤدي لا إلى استقرار معقول ولا إلى خروج جدي من مرحلة الاستثناء..
الاتحاد العام التونسي للشغل يقترح حلا وطنيا معقولا ومقبولا وهو ضرورة الكف الفوري عن هذا «الاحتراب» السياسي العبثي والدخول الجدّي في حوار لإنقاذ البلاد من هذه الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية وأن نضع بلادنا بصفة جدية في طريق العمل والإنتاج وخلق الثروة والتضامن وأن نقوم بالإصلاحات السياسية الضرورية اليوم من أجل العودة السريعة إلى الشعب ليقول كلمته في انتخابات عامة ينبغي أن نوفر لها كل ضمانات النزاهة والشفافية ..
لا يمكن لأي بلاد أن تجد حلاّ خارج حدودها لا ينبع من اتفاق داخلي واسع ..
تلك لغة العقل والمصلحة الوطنية.. وكل سياسة مغالبة هي مغامرة ضارة لا أفق لها.