مرسوم يعتبره الرئيس ومحيطه من بين عناصر خطة احتواء ازمة حلّ المجلس الحالي وإحلال هيئة وقتية محله.
خطة ستتضح تفاصيلها في كلمة الرئيس غدا وفي تفاصيل المرسوم الجديد الذي ينتظر ان يشكل هيئة وقتية تعوض المجلس الاعلى الحالي، اي ان المرسوم سيعلن عن حل المجلس بنص قانوني ويعوضه بجهاز وقتي يتكون من 15 عضوا جلهم من القضاة المباشرين او من المتقاعدين اضافة الى ممثلين عن الهيئة الوطنية للمحامين.
هذه الهيئة التي سيحدد المرسوم الرئاسي كيفية اختيار اعضائها ووظيفتها. هي الورقة التي تراهن عليها رئاسة الجمهورية لطمأنة الهياكل الممثلة للقضاة والمجتمع الدولي. والقصد هنا طمأنة الدول المانحة والمقرضة التي عبرت في بيان لها صدر امس عن «قلقها» من خطوة الرئيس.
فقد أعلن سفراء كل من كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتّحدة والولايات المتّحدة الأمريكية والاتّحاد الأوروبي لدى تونس في بيان مشترك لهم عن «القلق البالغ» والسبب هو «نيّة حلّ المجلس الأعلى للقضاء من جانب واحد «، مجلس يعتبر السفراء في بيانهم انّ «مهمّته ضمان حسن سير القضاء واحترام استقلاليته». ومن مهام المجلس الى مبدإ الفصل بين السلط، اذ يشدد البيان ايضا على ان الفصل بين السلطات ضروري لحسن سير منظومة ديمقراطية تخدم مواطنيها على أساس سيادة القانون وضمان الحقوق والحرّيات الأساسية.
بيان صدر بعد ساعات من لقاء الرئيس قيس سعيد برئيسة الحكومة نجلاء بودن، وإعلانه في كلمة له عن حله للمجلس وعن تحقيق ذلك بمرسوم رئاسي سيصادق عليه في المجلس الوزاري المنعقد غدا وتشديده على انه لم ولن يتدخل في القضاء ولا يبحث عن توظيفه او عن جمع السلط. في محاولة لاحتواء المواقف الناقدة لخيار حل المجلس.
لذلك فان المجلس الوزاري القادم سيكون ورقة الرئيس لخفض حدة النقد الموجهة الي قراراه بحل المجلس ومحاولة تغيير الانطباع بأنه يريد وضع يده على القضاء بان يسوق لهيئة جديدة تتولى مهام المجلس المنحل مع تجنب ان يكون الرئيس او وزيرة العدل او اي ممثل عن الحكومة في الهيئة لكسر صورة الهيمنة.
صورة لا تعنى ان مؤاخذات الرئيس على القضاء قد تبددت بحل المجلس بتركيبته الحالية ولا تعنى انه تخلى عن فكرة الحاق القضاء بلحظة 25 جويلية، اذ ان كل ما تعنيه ان الرئيس اختار ان يتحرك في الهوامش الممكنة له، بهيئة بتركيبة يختار هو أعضاءها ممن يعتبر انهم «يمثلون» لحظة 25 جويلية ومقاربتها.
ولان المرسوم المزمع اصداره لن يكون بمفرده كافيا فان الرئيس سيدعمه بسردية تقوم بالاساس على ابراز المجلس المنحل كامتداد «قضائي» لمنظومة ما قبل 25 جويلية التي يبحث عن ادانتها عبر مشروع مرسوم سيعرض بدوره على المجلس الوزاري متعلق بالتدقيق في القروض والمنح التي تحصلت عليها تونس منذ 2011.
الرئيس اختار أن يتحرك بنسق سريع في ترسيخ مساره السياسي وتثبيت 25 جويلية كأمر واقع لا يمكن تغييره حتى وان قبل باتباع سياسة أكثر انفتاحا وتشاركية ضمن سياق يوحد كل المسارات، السياسي والاقتصادي المالي والاجتماعي.
فالرئيس وبحله للمجلس الاعلى للقضاء الحالي وتوجهه لترسيخ هيئة جديدة، يريد ان يعيد ذات الخطوات التي اتبعها في احتواء تداعيات تجميد مجلس النواب، اي ان يفرض امرا واقعا ويعمل على تثبيته بسياسات وتصريحات مبطنة ومباشرة، تخدم سردية واحدة وهي ان ما حدث هو «الحل الوحيد» ضد الخطر القائم.
خطوات يبدو ان الرئيس سيعد انتهجها في ملف المجلس الاعلى للقضاء، عبر استيعاب ردود الفعل الداخلية وبالاساس الخارجية، بالجمع بين «شعبية القرار» وبين «طمأنته» بعدم الانحراف عن الديمقراطية.