في سؤال مكتوم مضمونه اية ازمة تعالج اولا لضمان معالجة بقية الأزمات. سؤال طرح مرةّ اخرى ولو بشكل غير مباشر في اللقاء الحدث.
لقاء جمع وفد من الحكومة، تقدمته نجاء بودن وشارك فيه محافظ البنك المركزي مروان العباسي ووفد من الاتحاد العام التونسي للشغل قاده نور الدين الطبوبي، وانتهى بتصريحات كشفت وان جزئيا عن مضمونه والمخرجات التي بحث عنها المشاركون فيه.
فمنذ بدايته، اي الاجتماع. كان جليا ان رئيسة الحكومة تبحث عن توافق مع الاتحاد الذي اكدت على أهمية الدور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي تحتله المنظمة، قبل ان تقدم ملامح الوثيقة الأولية لبرنامج الإصلاحات الهيكلية التي أعدتها حكومتها لتقديمها لصندوق النقد الدولي.
اجتماع انتهى بتصريح للأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي كشف فيه ان الاتحاد مستعد للتفاعل والعمل المشترك مع الحكومة عبر تقديم مقترحات لتطوير وثيقة الإصلاحات الهيكلية لتحقيق التوازن بين الإصلاحات التي قدمتها الحكومة وبين الجانب الاجتماعي. ولتحقيق هذا فأن المنظمة الشغيلة مستعدة لفتح حوار جدي ومسؤول بمجرد استكمال اشغال المؤتمر الـ 25 للاتحاد العام التونسي للشغل وانتخاب قيادة جديدة يمكن لها أن تلتزم بجملة التعهدات مع الحكومة.
هنا المعطيات لا تكشف اكثر مما هو «برتوكولي» وقديم قيل اكثر من مرة، عن حرص الطرفين على التشاور والعمل على ايجاد توافق يسمح بالذهاب الى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والوصول الي اتفاق يمكن البلاد من تجنب خطر اختلال توازناتها المالية غير ان هذا لم يحل دون ان يعلن الاتحاد بطريقته عن «موقفه» وذلك عبر تصريح قدمه انور بن قدور لموقع «الشعب نيوز» التابع للاتحاد جاء فيه بشكل صريح ومباشر ان الاتحاد يطالب بان يقع اجتزاء خطة الاصلاح من السياق السياسي والاجتماعي الراهن.
فالاتحاد وفق بن قدور ليس متحمسا للتفاوض مع الطرف الحكومي بشأن خطة الاصلاح في ظل ما يقول عنه الامين العام المساعد «ضبابية سياسية واقتصادية واجتماعية « التي لا يمكن ان تنقشع، اي الضبابية إلاّ بعد تقدم رئيس الجمهورية برؤيته السياسية والاقتصادية بشكل صريح.
هنا وجب اخذ مسافة من الحدث والنظر اليه على ما هو عليه، أي النظر لللقاء في سياقه الحالي ورهان كل طرف فيه. فالحكومة تبحث عن توافق مع منظمة الشغالين يمكنها من الذهاب الى واشنطن للتفاوض مع صندوق النقد الدولي، اي انها تريد ان تنتزع قبول الاتحاد بخطة اصلاحاتها في اسرع وقت ممكن باعتبار هذه المواقف شرط اساسي طالب به الصندوق.
في المقابل، وان كان الاتحاد كباقي الفاعليين في المشهد التونسي، يدرك بشكل جلي ان البلاد لا تمتلك الكثير من الخيارات في يدها لتجنب «الانهيار» غير اتفاق مع الصندوق لتعبئة موارد مالية لميزانية 2022. فانه يرفض ان تقع معالجة منفصلة لازمات البلاد كل على حدة وكأن لا رابط بينها، لذلك فانه يجعل من القبول بخطة الاصلاح مقترنا بشكل اساسي بان تكون هذه الخطة ضمن تصور كامل لكيفية الخروج من الوضع الحرج الذي تمر به البلاد.
لذلك فان اللقاء الذي جمع الطرفين، سجل تقاربا في وجهات النظر اذا تعلق الامر اولا بضرورة الوصول الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي في اسرع وقت، وثانيا في ادراك الطرفين بضرورة ان يتقدم كل طرف بخطوة في اتجاه الاخر، اي ان يبدى كل طرف ليونة في المفاوضات والتخلي عن «الخطوط الحمراء». هذا المناخ سمح بتحقيق تقارب في المسائل الفنية اي العناصر التقنية لخطة الاصلاح ومحاورها، وان كان الاتحاد يطالب بمرافقة اجتماعية مع الاصلاحات الاقتصادية. اي ان تقع المراوحة بين النزعة التقشفية التي تنتهجها الحكومة مع سياسة اجتماعية، اي ان يقع تخصيص موارد مالية توجه الى نفقات اجتماعية ومرافقة تقوم بها الدولة للفئات الهشة والمتوسطة.
لكن كل هذا ليس الا اعلان نوايا طيبة من الطرفين، الحكومة التي ابدت استعداد لتعديل بعض عناصر خطتها الاصلاحية بهدف تقليص تاثيرات هذه الخطة على الطبقة الوسطى والمهمشة، والاتحاد بقبوله لعناصر الخطة الاصلاحية وهي تشمل اصلاحات تطال الوظيفة العمومية والدعم والمؤسسات وغيرها من العناصر التي كانت محل تجاذب ورفض في السابق.
نوايا طيبة لن تجد طريقها لتصبح واقعا معاشا، اي اتفاق فعلي بين الطرفين يسمح للحكومة بالذهاب الى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، الا اذا تحقق شرط وضعه الاتحاد، وهو ان يقع توحيد كل المسارات، اي مسار الاصلاح الاقتصادي والمالي مع مسار الاصلاح السياسي. وهذا يعنى ان الاتحاد يريد ان تكون وثيقة الاصلاحات الكبرى عنصرا من عناصر اتفاق وطني شامل، يضم توافقات سياسية واجتماعية واقتصادية أي ان الاتحاد يريد ان ينتقل بالمفاوضات الراهنة مع الحكومة الى مرحلة اخرى وهي مفاوضات سياسية عامة تنخرط فيها رئاسة الجمهورية، اي اننا امام رسالة مباشرة توجه بها الاتحاد عبر الحكومة الى قصر قرطاج يدعوه فيها الى الانتقال من مفاوضات «تقنية وفنية» الى حوار وطني شامل، يكون فيها ملف المفاوضات مع صندوق النقد جزء منه.
هذا يجعل الامر برمته مناطا بموقف رئيس الجمهورية، اي رده المنتظر على دعوة الاتحاد وما إذا كان يقبل بأن يقع توحيد المسار السياسي الذي اطلقه في 13 ديسمبر مع المسار المالي والاقتصادي للبلاد، وجمعهما في حوار شامل يضم عدة فاعلين غيره.
موقف سينتظره الاتحاد وقد وضع مهلة زمنية، فالامين العام وهو يلوح بان القيادة الجديدة للمنظمة هي من لها صلاحية الاتفاق مع الحكومة، فهو يمنح مهلة زمنية للاجابة على دعوته قبل ان يعلن عن موقفه النهائي، وهنا الامين العام استثمر استعجال الحكومة بالوصول الى اتفاق معه وترك لها امر نقل دعوته للرئاسة واقناعها بها.
في انتظار وضوح موقف الرئيس وتفاعل الاتحاد معه، يبدو ان زمن الازمة المالية في تونس سيتسارع نتيجة قوة جذب اختلال المالية العمومية.
استعدادا للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي: في انتظار «إجابة» الرئيس .. تقارب بين الحكومة والاتحاد
- بقلم حسان العيادي
- 09:28 05/02/2022
- 1124 عدد المشاهدات
هناك اجماع ضمني على ان ازمات البلاد باتت مترابطة. بعيدا عن مقاربة المعضلة السببية «الدجاجة والبيضة» التي تحضر في المشهد التونسي