لقد كان هذا حال منظومة الحكم السابقة حيث عجزت عن التقاط كل صفارات الإنذار ولم تر في التراكمات السلبية عنصر التحول النوعي الكامن فيها فاصطدمت بانهيار كلي وفجئي لم تتوقعه ولم تسع بالتالي إلى تجنبه..
وتؤدي نفس الأسباب دوما إلى نفس النتائج وها نحن نشاهد أن منظومة الحكم الحالية المنبثقة على قرارات 25 جويلية الفارط والمدعمة بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية ليوم 22 سبتمبر نفس المسار الشكلي : تراكم الأخطاء والانغلاق عن كل نقد والمرور بقوة رغم كل صفارات الإنذار بل والمرور بالقوة المفرطة تحت حجة تطبيق القانون نضيف إليها الأخطاء الإستراتيجية للترويكا الأولى،على مستوى الشكل دوما لا على مستوى المضمون، وهو السعي الانفرادي لتغيير قواعد اللعبة تحت تعلّة شرعية – أو مشروعية كما تشاؤون – الانتخابات والمساندة الشعبية الواسعة والاستهانة بالأصوات الرافضة والمعارضة باعتبارها لا تزن شيئا (صفر فاصل) ثم استعمال القوة ضدها والتساهل مع مناخ العنف اللفظي والتخوين والتجريم للمعارضين.
المستقبل القريب واضح ومكشوف: النقد والاحتجاج سيتزايدان من جهة وسيقابلان - كالعادة– بصمّ الأذان وبعدم الإنصات تحت هتافات انتهازيي كل عصر وأحيانا كل العصور.
ما لم تفهمه الترويكا الأولى لا يفهمه رئيس الدولة اليوم فيما يبدو وهو أن الفوز الساحق في الانتخابات لا يعطي صكا على بياض لأحد وخاصة إذا ما تعلق الأمر بتغيير جوهري لقواعد العيش المشترك مقابل عدم الاكتراث بحياة الناس وبالسعي الدؤوب لتحسين أوضاعهم المعيشية والبيئية ولتنمية الاقتصاد وخلق الثروة .
الناس لا يأكلون الايدولوجيا السلفية المتطرفة ولا البناء القاعدي ولا حتى النظام البرلماني أو الرئاسي ولا يمكن لبلاد أن تنهض إذا جعلت من الاحتراب الأهلي على قاعدة «الفرز» جوهر حياتها السياسية.
صاحب السلطة يمكنه فرض الكثير ولكنه لا يستطيع فرض كل شيء لا أن يتقدم ضد إرادة النخب – نعم النخب – ولا مناخ العصر : الديمقراطية والتشاركية وحقوق الإنسان والرفاه المشترك.
لقد أضاعت تونس الكثير من الوقت خلال هذين العقدين الأخيرين بحكم تعنت حكامها واعتقادهم الساذج بأن عهدهم دائم أزلي حتى أصبحت بلادنا بلاد الفرص الضائعة المهدورة والحال أن الحلول سهلة : العمل ثم العمل فقط لتطوير البلاد وإصلاح منظوماتنا الاقتصادية والاجتماعية والتربوية من اجل هدف واحد لا غير : الرفاه المادي والمعنوي لعموم التونسيين .
لقد تعبت بلادنا من سياسة «التجربة والخطإ» ومن أوهام حكامها ومن مقارعتهم لطواحين الهواء ولتطبيل الانتهازيين وللرغبات الانتقامية البدائية عند أجزاء من النخب ومن المواطنين.
لقد ولى عهد الأنبياء المُخلّصين والقادة الملهمين والإيديولوجيات المبشرة بجنات السماء أو الأرض.
نريد فقط بلادا يستطاب فيها العيش ويقام فيها العدل وتحترم فيها كرامة الفرد وتتساوى فيها الحظوظ بين كل بنات وأبناء الشعب وتُنافس فيها من اجل الرقي والازدهار ..
أفلا يوجد في تونس ما يكفي من الرشاد؟!