لا مناص من القول إنّ المشرفين على إعداد مؤتمر النهضة كانوا حريصين على إبراز المظاهر الاحتفالية السائدة في المؤتمر ومسرحة هذا اللقاء التاريخي. وليس الاعتناء بمظاهر الاحتفال إلاّ علامة على تعدّد مجالات التصرّف في الرسائل الموجّهة إلى المشاهدين. وفق هذا الطرح كان توظيف فتيات الاستقبال معبّرا عن شعار التحوّل الذي تسوّق له النهضة. فها نحن أمام فتيات محجّبات وغير محجّبات تتحوّل أجسادهن وهيآتهن وحركات أجسادهن إلى رسائل دالة على مدى انفتاح الحزب وتغيير نظرته إلى المرأة غير المحجّبة وقبوله بانضمامها إلى حزب بمرجعيّة إسلاميّة ... وها نحن أمام فتيات يسهرن على نشر مشاعر الغبطة والفرح والسرور في محاولة واضحة لاستقطاب المتردّدات اللواتي لم يقتنعن بعد بضرورة النشاط ‘الدعوي’ وأهميّة الانتماء الحزبي.
وهكذا تغدو أجساد الفتيات علامات تخدم الدعاية السياسية وترسل المضامين التسويقيّة لشعار التغيير والتحوّل فيتمّ استهلاكه في عصر عولمة الفرجة...إنّها الأنوثة المُغرية والمُبهرة تحضر بثقلها في «مؤتمر الإبهار» لتعكس لا «ثابتا من ثوابت الإسلام» بل ثابتا من ثوابت الفكر الذكوري الذي لا يتوانى عن التلاعب بالرموز الأنثوية من أجل الترويج للفكرة أو السلعة حتى وإن أدّى ذلك إلى تشييىء النساء.
تؤثث أجساد الفتيات الركح السياسي باعتبارها علامات زينة ornement في إشارة واضحة إلى مكانة المرأة في المشهد السياسي : هي أمّ المناضل وأخت المناضل وزوجة المناضل وإن تسلّقت سلّم المناصب أو زجّ بها في البرلمان فلتبعيتها لهذه المنظومة الأسرية التكافلية .
ومادامت النهضة بصدد تجديد ثوبها فإنّ التغيير قد أصاب النساء لا على مستوى التمثيلية والزعامة بل على مستوى أشكال الترميز. ولعلنا لا نغالي إن اعتبرنا أنّ الفصل قد تحقّق بين السياسي والدعوي جندريا. فللرجال القيادة السياسية والمناصب الرفيعة وللنساء المجال الدعوي مادمن قد أثبتن مقدرة عالية على التعبئة. كما أنّ الفصل قد تمّ على مستوى السنّ فبدا الفرز واضحا بين النائبات-الكهلات المعبّرات عن نجاح «الإسلام الديمقراطي» والشّابات اللواتي كُلّفن بالخدمة ...ولا مانع بأن يختلطن بالرجال ويُبدين زينتهن ويتبرّجن مادام ذلك يصبّ في صالح الدعاية الحزبيّة و يرمي إلى إنجاح المؤتمر.
ليس توظيف الفتيات لاستقبال الضيوف إلاّ رسالة واضحة لالتقاء الخطين المتوازيين بين أصحاب اليسار و أصحاب اليمين وسير القوّة السياسية في البلاد بجناحين متكاملين. وطالما أنّ المسافة تقلّصت بين أعداء الأمس وحلفاء اليوم فلا داعي للتذكير بعمليات الاستنساخ...وسيّان إن تحدّثنا عن حزب بمرجعية ليبرالية ، حداثية ....أو حزب بمرجعيّة إسلامية فالجميع يشترك في ذات النظرة إلى المرأة ويحدّد لها نفس الموقع في المشهد السياسي لأنّها في النهاية ليست إلاّ «مرا».
تنتفي حروب «الدفاع عن النمط «إذن مادامت النهضة قد تبنّت نفس النمط المجتمعي الذكوري الذي يختزل المرأة في جسدها ويأبى أن يراها قيادية ...بهذا المعنى كلّهم «أصحاب النمط» ...تنتفي حروب توظّف فيها حجّة «كرّم الإسلام المرأة « مادامت الأحزاب تتكلّ على أجساد النساء لتزيين المحافل السياسية وربح المعارك الانتخابية وتمرير الرسائل المشفرّة بين الرجال.
واهمة من تعتقد أنّ المجال السياسي قد تحرّر وما عاد حكرا على الرجال...واهمة من تعتقد أنّ الأحزاب بصدد تمكين النساء سياسيا ...التمكين الحقيقي يمرّ عبر الذات هو إدراك ووعي واختيار ونضال.