انعكاساتها على الإسلام السياسي والقوى المتحالفة معه.. ولكن في الأمرين معا نُظِر إلى هذه الزيارة فقط من الزاوية الضيقة للصراعات السياسوية التونسية التونسية،لا من حيث تموقعها ضمن رؤية استراتيجية لديبلوماسيتنا وفق تأليف ذكي بين ثوابتنا الديبلوماسية والمعطيات المستجدة وطنيا وإقليميا ودوليا ..
الديبلوماسية هي دائما وأبدا التعبير الأمثل عن المصالح الإستراتيجية لدولة ما وعلى طبيعة الدور الإقليمي والدور الذي تريد لعبه والسؤال اليوم هل مازلنا نملك رؤية ديبلوماسية وتصورا واضحا لمصالحنا الإستراتيجية ؟
هنالك ثوابت لا يشك فيها أي أحد للديبلوماسية التونسية كما عرفتها دولة الاستقلال : صفر أعداء إقليميا ودوليا مع انحياز مرن للمعسكر الغربي وسعي للعب دور يتجاوز حجم البلاد في محيطنا المغاربي والعربي والمتوسطي والإفريقي ..تلك هي بتكثيف شديد أهم مقومات الديبلوماسية التونسية كما وضعها الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة بمعيّة الجيل المؤسس للدولة التونسية .
هل يمكن أن نواصل فقط على هذه الثوابت دون تغيير أو أقلمة ؟ الأكيد لا وذلك لسببين أساسين : لا تملك تونس اليوم وقد لا تملك في المستقبل القريب زعيما من طينة الحبيب بورقيبة الذي كان يٌنصت لرأيه في كبرى القضايا الإقليمية ثم إن تونس قد تغيرت وانتقلت إلى ديمقراطية متعثرة -ولاشك- ولكنها أصبحت حاملة لمشروع حضاري جديد وهذا يجب أن يكيف شيئا ما تموقعنا الديبلوماسي دون أن يعني أن تتحول الدولة إلى جمعية حقوقية مناضلة ..فللدولة مصالح وهي تتعامل مع الأمر الواقع ولا تبني علاقتها مع الدول فقط على اعتبار نوعية نظامها السياسي بل على المصالح المشتركة المتجاوزة لكل ظرفية سياسية مهما كانت أهميتها.
يقع على رئيس الدولة بمقتضى الدستور في فصله السابع والسبعين ضبط «السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة».
ولكن الواضح أن ضبط السياسات الخارجية ليست مسألة فردية اعتباطية، إذ علاوة على اشتراط الدستور «استشارة رئيس الحكومة» لضبط هذه السياسات وهذا أمر غائب تماما بل العكس هو الذي يحصل اليوم ولكن السياسة الخارجية للدولة باعتبارها التعبير الظاهر للمصالح الإستراتيجية لا يمكن أن يترك لاجتهاد شخص مهما كانت شرعيته بل هذا يفترض شبكة من الأجهزة للرصد والتحليل والاقتراح للسياسات الخارجية الكفيلة بجلب أقصى المنافع للبلاد ودفع كل المخاطر عنها .
هل تشتغل تونس وفق هذه العقلانية الجماعية ؟
للأسف لا بل ونحن نبتعد عنها بأقصى سرعة في إطار هذا الصراع العبثي بين مختلف أجنحة السلطة .
ينبغي أن يكون المرء في عالم مواز حتى يستبشر بتنمر أهم مؤسسات الدولة بعضها على بعض سويعات قليلة قبل زيارة مصر وكيف أن الحكومة ومختلف مصالحها – باستثناء وزارة الخارجية – لم تشرك لا من قريب ولا من بعيد في إعداد الملفات وطبخ القرارات المشتركة وحتى اللقاءات التي جمعت قبيل هذه الزيارة بين وفد رفيع المستوى من رجال أعمال مصر مع قيادة اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية ثم مع الحكومة التونسية إنما كان ذلك من قبيل الصدفة ولا علاقة له البتة بالإعداد الجماعي لهذه الزيارة .. تونس دولة صغيرة وذات مشاكل كبيرة ، ولكن جزءا هاما من الحلول يكون في حسن التموقع الإقليمي وفي ضبط شراكات قوية مع جيراننا وأساسا كل دول المغرب العربي ونضيف إليها مصر دون أن ننسى شراكتنا التقليدية مع الاتحاد الأوروبي وضرورة إعطاء عمقنا الإفريقي حقه واستباق التحولات الهامة في هذه القارة التي ستكون بمثابة الورشة المفتوحة على امتداد العقود القادمة .
متى ندرك أن الديمقراطية تعني فقط الصراع والتنافس من أجل خدمة الصالح العام وهي تعني أيضا وحدة الصف الوطني عندما يتعلق الأمر بالمصالح الحيوية للبلاد وأننا نختلف داخل الدولة التونسية لا عليها وان صراعاتنا العبثية والمرضية وحرب الكل ضد الكل ستقضي على إمكانية إقلاع جدية وعلى كل تأثير ممكن على التحولات الإقليمية ..
لو أضاعت الممارسة الديمقراطية الخاطئة وحدة الدولة تصورا واستراتيجيات وسياسات سنكون قد اضاعت كل شيء .
نظريا الثورة والديمقراطية عنصران إضافيان لقوة ومناعة تونس ولكن عمليا لم يحصل شيء من هذا إلى حدّ الآن ..
في انتظار عودة العقل لا نملك سوى رعاية الأمل .
أية رؤية ديبلوماسية لتونس اليوم ؟
- بقلم زياد كريشان
- 09:41 13/04/2021
- 1451 عدد المشاهدات
أثارت زيارة رئيس الدولة إلى مصر ردود فعل متباينة لدى النخب السياسية بين مرحب بها ومستبشر بنتائجها المتوقعة وبين متوجس منها ومن احتمال