على وقع ازمنة ثلاثة :رئاسي /حكومي /برلماني. منفصلة عن واقع البلاد التي ارتفع فيها منسوب الاحتقان الاجتماعي وتفاقمت ازمتها المالية.
ذلك أننا اليوم وبعد مضي 8 أسابيع من دخول البلاد ومؤسساته في أزمة التحوير الوزاري. نشهد تراجعا في مؤشرات البحث عن حل للازمة. وكان الجميع توافقوا فيما بينهم على ان الوقت سيكون كفيلا بمعالجتها. وهنا يصبح الوقت مرادفا لانهيار السقف الذي بات وشيكا بالنظر لوضع المالية العمومية ولشلل الحكومة التي خسرت 11 وزيرا دفعة واحدة.
مشهد عبثي وقع التطبيع معه وبات طبيعيا، وكان البلاد تمتلك ترف الوقت والمال لتساير مطامح الماسكين بمقاليد الحكم فيها وغياب الشجاعة عنهم للإقدام على خطوة في اتجاه الخروج من النفق المظلم الذي باتت فيه البلاد.
نفق التقت فيه ازمة صحية وأزمة المالية العمومية والركود الاقتصادي وأزمة سياسية انفجرت مع التحوير الوزاري الذي وبحلول الغد يكون قد ختم الشهرين منذ نيله لثقة البرلمان، يضاف اليها عودة الاحتقان الى الشراع وتنامي مشاعر اليأس والخوف من المستقبل القريب.
مستقبل يبدو ان التونسيين وحدهم يحملون وزر ثقله ويخشونه. أما الفاعلون في الازمات فهم يتصرفون وكأننا في وضع طبيعي تسير فيه مؤسسات الدولة بشكل عادي ولا ازمات تهدد الدولة وقدرتها على الايفاء بتعهداتها المالية داخليا وخارجيا وما سيترتب عن هذا الوضع من تداعيات ابرزها فقدان سيادتها على شانها الداخلي وانفجار الوضع الاجتماعي. اللذي بدأت مؤشرات اقترابنا منه بتصاعد وتيرة الاحتجاجات.
أمام هذا الخطر الذي يمكن اختزاله بكلمة «الافلاس» نجد مؤسسات الحكم في تونس منكفئة على نفسها كل له اجندته الداخلية التي تتضمن ترتيب البيت في اطار الاستعداد لمرحلة القادمة، وكأنهم استبطنوا استحالة الخروج من الازمة دون ضغوط ودون تدخل خارجي.
والخطير في الأزمة أنها باتت من وجهة نظر الاطراف المتسببة فيها غير قابلة للحل بعناصر داخلية، وعليه فان البحث عن مخرج يوفر الحد الادنى لبناء ارضية مشتركة تحول دون وقوع البلاد تحت الوصاية باتت منظورهم مضيعة للوقت والجهد والمساحات التي تم الفوز بها.
لكن بعيدا عن هذا القنوط او المراهنة على تحقيق مكاسب بانهيار السقف على الجميع، لازال هناك مخرج امن لتونس وهو حل يجمع مسارات ثلاثة : مسار البرلمان ومسار الحكومة ومسار الإصلاحات المستعجلة لإنقاذ المالية العمومية. وهو مخرج قد يكون الانسب باعتباره حلا ظرفيا يهيئ البلاد لانتخابات مبكرة.
حل من اضلع ثلاثة لا يمكن أن ينجح إذا فصلت المسارات عن بعضها حتى وان كان الاتفاق التوجه إلى انتخابات مبكرة لن يكون من الممكن والأسلم اجراؤها في ظل الاوضاع الراهنة، بل يجب الاستعداد لها وهذا عبر توفير الحد الادنى من الاستقرار السياسي، وهذا غير ممكن إذا استمر الحال على ما هو عليه بحكومة مشلولة يخوض رئيسها معارك مع رئيس الجمهورية او ببرلمان استوطنه العنف والفوضى في ظل رئاسة راشد الغنوشي التي تجابه بالرفض من قبل كتل منها الدستوري الحر. لذا فان الحل يستوجب الحسم في هاتين النقطتين وفق ترتيبات تحدد عبر الية الحوار.
لن توجد اية ارضية للوصول الى حل دون انخراط فعلي من رئاسة الجمهورية التي يجب علها الانتقال من حالة التخبط وعدم وضوح الرؤية وارتهان الرئيس للحظة الانتخابية وان يستوعب ان البلاد في اسوإ اوضاعها وان الاولويات اليوم تغيرت ولم تعد تلك التي قدمها في حملته الانتخابية.
هذه الارضية السياسية التي تفترض تأجيل الصراعات السياسوية بين مؤسسات الدولة الى وقت اخر طالما ان حسمها غير ممكن في ظل توازن القوى وعدم قدرة اي طرف على الحسم لصالحه- هي ارضية مفصلية تستوجب توافقا مع المنظمات الاجتماعية ومقبولية لدى الشرائح الاجتماعية وذلك بهدف تهيئة البلاد لمرحلة الاصلاحات الكبرى المستعجلة لإنقاذها من ارتدادات ازمتها المالية وتراجع تصنيفها الائتماني في مرحلة اولى والشروع في عملية إصلاح هيكلي للاقتصاد التونسي وإرساء منوال جديد.