وإعادة ترتيبها بعد حذف ما يرونه لا يتماشى مع سردياتهم وأهواءهم الذاتية والقبلية.
عديدة هي الامثلة عن كيفية تحريف التاريخ وإعادة كتابته على انه سردية تخدم مصلحة فرد او جهة لا سردية تقدم الحقائق والمعطيات، من ذلك ما تقوم به حركة النهضة حاليا في تناولها لشهادة كريم عبد السلام القيادي السابق بها.
عبد السلام الذي تحدث في حلقتين بثتها اذاعة «شمس اف ام»، حاور فيهما الزميل شاكر بسباس العقل المدبر لعملية باب سويقة الذي كشف عن تفاصيل عدة تتعلق بكيفية ادارة النهضة لصراعها مع نظام بن علي في تلك الفترة التي قال انها اديرت بخطة تحمل اسم «فرض الحريات».
خطة اقرتها النهضة وفق كريم عبد السلام سنة 1989 ودفع اليها القيادي علي العريض وتهدف الى افتكاك السلطة وتغير النظام، ومن عناصرها «تحرير المبادرة». تحرير نجم عنه اعمال عنف ارتكبتها عناصر من حركة النهضة ومنها عملية باب سويقة ليست سوى خطوة في مسار اطلقته النهضة وشرع استعمال العنف ضد اهداف محددة.
عنف يقر به كريم عبد السلام ويعتذر عنه ولكن الاهم في شهادته هو كشفه لتبنى النهضة للعنف واعتباره من ادوات التغيير السياسي وانها اعدت عناصرها وشحنتهم لارتكاب العنف تحت ذريعة «حفر قبر النظام».
شهادة تتناقض مع السردية الجديدة التي تبنتها النهضة منذ صائفة 2011 التي أعادت فيها النهضة كتابة تاريخها بما يتناسب مع الصورة التي تريد ان ترسخها، حركة تعرضت للقمع والملاحقات الامنية والقضائية وتلفيق القضايا عن احداث عنف.
عنف اما انه ملفق من اجهزة النظام او انه اجتهادات فرية غير صائبة، وفي الحالتين ليست سياسة الحركة ولا خيارها، وهذا ما تتمسك به النهضة الى اليوم رغم شهادات عدة تصدر عن قيادات منها تناولت احداث ومحطات مرت بها الحركة.
هذا الهوس باعادة كتابة تاريخ الحركة جعل النهضة تعتبر ان اي سردية تتضمن اشارات الى انها تبنت العنف كنهج لتغير النظام السياسي هي محاولات «بائية يائسة» كما يصف رئيسها راشد الغنوشي الامر. بل انه يذهب الى ابعد من ذلك لينكر ضمنيا تبنى حركته للعنف او تشجيعها على ارتكابه.
الانكار هو الخطة التي تعتمدها النهضة في مواجهة تاريخها، فهي تنكر اي حادث يقدمها كحركة سياسية تتبنى العنف وتشجع عليه، من ذلك احداث باب سويقة واحداث الجامعة التونسية ومحاولة الانقلاب في 8 نوفمبر 1987 وغيرها...
هذا التمشي بات سياسة اعتمدتها النهضة منذ جوان 2011 واستمرت في اعتمادها تهدف الى كتابة سردية جديدة تصوّر فيها النهضة ضحية نظام لم ترتكب خطأ غير الدعوة الى التغير وترسيخ الديمقراطية في تونس.سردية حرصت النهضة على ان تحل محل السردية القديمة التي تقدمها على انها حركة عنيفة.
وهو ما يبدو ان الحركة تتمسك به وتعمل عليه خاصة في هذا الظرف الذي يتسم بمحاولة احياء الاستقطاب الثنائي كما ان الساحة السياسية والمزاج الانتخابي الحالي قاعدة الفرز فيه هو العداء للاحزاب الدينية اي ان النهضة تعتبر ان اعادة النبش في التاريخ وتقديم سردية مختلفة عنها قد يكون خطوة لضربها لاحقا.
هاجس ومخاوف وأطماع جعلت النهضة ترفض ان تسمح بكشف الحقيقة ان تعلق الامر بتبنيها العنف والتحريض عليه وإنشاء الاجهزة السرية والتخطيط للانقلاب ومحاولة التسلل الى المؤسسة العسكرية والأمنية الخ...
هذا للحيلولة دون كشف حقيقة ما جرى في الماضي وقطع الطريق امام معرفة التفاصيل المتعلقة به هو ما يضر الحركة اكثر من غيره، فالنهضة التي لم تتصالح مع اخطائها ولم تقرّ بها ولم تعتذر عنها ستكون دائما محل شك وارتياب وهو امر سيورث للقادمين على اعتبار انها ستظل مطاردة بشهادات قادتها الذين يعنون ما تتبرأ منه الحركة اليوم.
ان النهضة كما غيرها من التنظيمات السياسية في تونس ستكون أولى ضحايا حجب الحقيقة، فمن دونها لا يمكن ان تقع المصالحة الفعلية ولا اليقين بان هناك تغييرا طال احزاب كانت في الماضي القريب تتبنى خيار التغير بالعنف وتصنف التونسيين الى اقسام وطوائف.
تقسيم الشعب الى مؤمنين وكفارين ، وتبرير لتعنيفهم تحت مسميات عدة هو جزء من تاريخ النهضة ايا كانت السردية التي تقدمها، اخطاء فردية او تلفيق من اجهزة النظام، وطالما انها لم تتقدم بخطوة جريئة تقر فيها انها ارتكب اخطاء وأساءت التقدير وتبنت العنف وممارسته والكشف عن تاريخ اجهزتها السرية كما الاعتذار عن كل هذا فإنها ستكون ملاحقة بماضيها ولا يمكنه الفرار منه.
وطالما انه يلاحقها فلا يمكنها ان تغير الصورة الذهنية التي رسخت عنها، وهي صورة تستدعى كل ما أطل احد قادتها ممن ارتبط اسمه بأحداث عنف او بالأجهزة السرية، ان افضل هدية تهديها النهضة لنفسها هي ان تتصالح مع ماضيها وتعترف به وتعتذر للتونسيين ممن لحقهم الاذى.
أحداث باب سويقة: لماذا تتمسك النهضة بالهروب من ماضيها ؟
- بقلم حسان العيادي
- 12:05 23/03/2021
- 2128 عدد المشاهدات
يبدو ان من معضلات تونس ان بعض الفاعلين السياسيين فيها يتعاملون مع تاريخها على انه كتاب يمكنهم تمزيق اوراقه