التلقيح ضد الكورونا وتبحث عن كبش فداء لتحمله المسؤولية.
ليصبح الموت والوباء جزءا من اللعبة السياسية في تونس، اذ تتكالب الاحزاب والخصوم السياسيون على تحميل المسؤولية للآخر ويغفلون عن ان تونس هي الدولة الوحيدة في حوض المتوسط والدولة العربية الثانية التي لم تنطلق بعد في حملة التطعيم ضد فيروس كوفيد- 19.
سوريا وفلسطين المحتلة والعراق، دول تعيش على وقع مآس وحروب ورغم ذالك انطلقت حملات التطعيم فيها، اما تونس فسلطاتها الرسمية تعلن انها ستشرع في الاسبوع القادم في تطعيم/ تلقيح 15 الف تونسي.
موعد جديد اعلن عنه اول امس، بعد ان انقضى شهر فيفري الذي وعدت فيه حكومة المشيشي بان يكون شهر التطعيم، وقدمت جدولا زمنيا تضمن تصنيف التونسيين الى فئات رتبت وفق الاولوية، العاملون في الصفوف الامامية لمجابهة الجائحة والذين يعانون من امراض مزمنة والمسنون. هم الفئة الاولى التي اعلن في جانفي الفارط انها ستتلقى الجرعة الاولى من التلقيح قبل 15 فيفري. لكن مر الاجل الموعود وانقضى وعوضا عن انطلاق الحملة قدمت الحكومة وعودا وآجالا جديدة. لنأمل انها ستحترمها.
امل ليس في ان تنطلق حملة التطعيم قريبا. حتى بتطعيم 15 الف تونسي، بل في ان لا يدفع الشعب التونسي ثمن التراخي والإهمال الاداري والحكومي في التعاطي مع الملف. اذ بات جليا اننا ندفع ثمن خيارات خاطئة في التعامل مع الجائحة منذ انطلاقها .
فالدولة التونسية تعاملت مع الوضع بشكل اقل ما يوصف به انه «هاو» يكشف عن ان البلاد باتت عاجزة عن ابسط الاشياء. وهي الاستعداد واتخاذ الاجراءات الضرورية التي طلبت منها منذ اعلان انضمامها الى مبادرة «كوفاكس/ Covax » التي تديرها منظمة الصحة العالمية وتحالف «غافي» للقاحات.
مبادرة التحقت بها تونس كما عدد من الدول الافريقية على غرار غانا التى تحصلت في الاسبوع الفارط على 600 ألف جرعة من اللقاح ضمن برنامج «كوفاكس « Covax/ المدعوم من قبل منظمة الصحة العالمية. فيما تونس لازالت في طور استكمال استعدادتها للانطلاق في ابرام الاتفاقيات بعد ان صادق البرلمان الاسبوع الفارط على قانون المسؤولية المدنية الناتجة عن استخدام اللقاحات وجبر الضرر وختمه امس من قبل رئيس الجمهورية.
وسوء المعالجة لا يقتصر على ملف مبادرة كوفاكس/ Covax فالدولة التونسية وسلطاتها الرسمية انشغلت بصراعات سياسوية وتناحر بين مؤسساتها خلال الشهرين الفارطين، وقبلهما انشغلت في التطاحن والتلاسن بين رأسي السلطة التنفيذية، اللذين وللأسف لم يدركا ان الوضع يستوجب تنسيقا بينهما لتوسيع قائمة الخيارات امام البلاد وضمان حصولها على جرعات اللقاح في وقت معقول.
إذن فالتنافر بين المؤسستين التنفيذيتين جعل من الديبلوماسية التونسية عاجزة ومتعثرة غير قادرة على اقتصار الوقت وضمان حصول تونس على اللقاح بسرعة. غافلة عن ان الساحة العالمية اليوم بات على وقع دبلوماسية اللقاحات والأوبئة.
لكن تونس تأخرت وظلت الى وقت غير بعيد تراهن فقط على لقاح «فايزر-بيونتك»، رغم ادراكها ان قائمة الانتظار طويلة وان المخبر المنتج للقاح غير قادر على الايفاء بكل طلبات الشراء في وقت وجيز. وهذا ليس خطأ تونس بمفردها فدول اوروبية عدة وقعت في الخطإ المتمثل في تأخر التحرك وتقديم طلبات شراء للمخابر المنتجة للقاحات.
والأسباب هنا عدة وان كانت تسوق فقط على انها تتعلق بضمان فاعلية اللقاح. وهو ما قدمته السلطات التونسية. التي لم تقر بأنها تأخرت في التحرك وانها وضعت كل بيضها في سلة وحدة.قبل ان تدرك انها اساءت التقدير وباتت تبحث عن الاستفادة من البرامج والمبادرات على غرار كوفاكس او مبادرة Africa CDC .
هذا بالإضافة الى تحركات الرئيس وبحثه عن لقاح في شكل هبات سواء من قطر او الجزائر او الصين قابلتها الحكومة بإعلان عدم معرفتها او الاشارة الى غياب التنسيق معها في هذا الملف واستخدامه لاحقا في اطار المناكفات بينهما.
املنا اليوم ان لا يطول بنا الانتظار لانطلاق حملة التلقيح/ التطعيم خاصة لكسر المنحى التصاعدي لانتشار العدوى. ورجاؤنا ان لا يكون حاضرنا ومستقبلنا ورقة مناورة في أيدي المتناحرين.