في تونس في إطار ملتقى الحوار السياسي ، لا يمكن أن يُستقبل إلا بالترحاب التونسي و المغاربي و الإقليمي و كل الاطراف الداعمة لإيجاد حل سياسي ينهي منحى العنف و صب الزيت على نار خلافات ما كانت ليتكون لو لم تقع تغذيتها من المستفيدين المباشرين و غير المباشرين من إشعال فتيل الحرب في ليبيا .
و عندما نشير إلى الفضاء المغاربي والإقليمي فإننا نعي ما نقول، لأن ما يجمع تونس و الجزائر و ليبيا والمغرب و مصر وبقية دول المنطقة، ليست الحدود المباشرة للأراضي فقط ،و إنّما أمن المنطقة و سلامة ترابها و حمايتها من كل ما يمكن أن يشكّل خطرا على شعوبها من أطماع القوى المهيمنة ،و من أطماع الأطراف المعادية للتطور والتقدم الّتي تسعى إلى فرض نمط سياسي يخدم مشاريع سياسية تسعى إلى الشد إلى الوراء بتفكير لا يخدم مصالح الشعوب .
لقد خلقت الأزمة اللّيبية وضعا متوتّرا عاشه الشعب اللّيبي منذ مدّة لا يستهان بها، وتلك شعوب المنطقة ، الأمر الّذي يجعل زرع كل بذرة أمل للخروج من المأزق و تجاوز محن الإنقسام و العنف و عدم الإستقرار ، لا يتلقفها الرأي العام اللّيبي فقط بتفاؤل كبير ، بل تشكّل حدثا جديرا بالإهتمام في كامل المنطقة. و هو ما سبق أن أكدنا عليه منذ 2015 عند عقد أول اجتماع لأعضاء الحوار السياسي اللّيبي في تونس ، حيث تمّ التأكيد على أنه من المهم أن تكون تونس قاعدة حوار و تقارب وهو أقل ما يمليه عليها واجبها التضامني ،للقيام بدور لا يعدّ غريبا عن تونس الّتي سبق لها أن كانت حاضنة لعدّة محطات تاريخية هامّة في خدمة شعوب شقيقة أو صديقة.(المغرب 13 /12 /2015)
لا تهم الدوافع التي أدت إلى إختيار تونس مجدّدا موقعا للحوار المباشر في لقاء تقرر أن ينعقد في مستهل شهر نوفمبر المقبل ، بقدر ما يهم أن تكون تونس مساهمة في حل الأزمة و في توفير الظروف الملائمة لعقد هذا الإجتماع المباشر ، كما أكد على ذلك رئيس الجمهورية التونسية الأستاذ قيس سعيد عند لقائه برئيسة البعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ، بالنيابة السيدة ستيفاني وليامز يوم الأثثنين 12 أكتوبر 2020 ، بتأكيده على استعداد تونس «لوضع كل الإمكانيات المادية والبشرية اللازمة للمساهمة في إنجاح هذا الاستحقاق الهام « الّذي «يندرج في إطار المقاربة التونسية للحل في ليبيا» .
و لم يفت رئيس الجمهورية التأكيد على «أن تونس ليست في منافسة مع أي جهة كانت وأن الهدف المنشود هو إيجاد تسوية سلمية للأزمة ..» و هو ما تفاعلت معه رئيسة البعثة الاممية بالنيابة إيجابيا عندما اعتبرت « أن الحوار الذي ستحتضنه تونس، يعد فرصة حقيقية لتحقيق تقدم في العملية السياسية».
هذا الإجتماع الّذي ستسبقه جلسة غير مباشرة تمهيدية يوم 26 أكتوبر الجاري بواسطة الإتصال المرئي ثم محادثات مباشرة بين وفدي اللّجنة العسكرية لمشتركة (5+5) بجنيف ، سيحدّد في تونس الإجراءات العملية لتجاوز الخلافات بإجراء إنتخابات عامة وطنية تستعيد فيها ليبيا وحدة سيادتها الشرعية بالآليات الديقمراطية بعد وقف جميع المناورات والالتزام التام و الدائم بوقف إطلاق النار .
فاجتماع تونس حلقة هامة في سلسلة الإجتماعات الّتي سبق أن إنعقدت بالمغرب و مصر لتفعيل مساعي حل الأزمة اللّيبية ، بالوسائل السياسية و حقن دماء اللّيبيين، مما يجعلهم يدخلون مرحلة آمنة يعيدون فيها بناء ما تهدم في بلدهم و خوض تجربة ديمقراطية جديدة بلا تطاحن ولا عنف في كنف الوحدة والشرعية الدّائمة .
و الموقف التونسي لا تحركّه مصلحة ضيقة ، بل يندرج في نفس المسار الّذي إنتهجته تونس في التعامل مع النزاعات الداخلية المبني على عدة ثوابت منها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الشقيقة والصديقة ، مع الحرص على مد يد المساعدة عند طلبها و الإنحياز الإيجابي للقضايا العادلة والتعاون المشترك و البنّاء بما يخدم العلاقات الإقتصادية و السياسية لضمان المصالح المشتركة، في ظل ظروف أمنية وعسكرية سليمة ومستقرة ودائمة ، و تعزيز الجهود الرامية لدحر الإرهاب و التوقي من مخاطره إقليميا و دوليا .
إن الإرتباطات التاريخية و الجغرافية والسياسية و الإقتصادية ،بين تونس وليبيا و بقية دول المنطقة تُملي على تونس ، أن تساهم في كل مجهود يرمي إلى تنقية المناخ الإجتماعي و السياسي في المنطقة والإنخراط في ما يخدم مصلحة شعوب المنطقة المشتركة في اتجاه التطور الإقتصادي والتقدم الإجتماعي في ظل أمن شامل يستبعد العنف والسلاح لحل الخلافات ،و يُغلب الحوار البناء لحل كل الخلافات والنزاعات. لذلك يأمل التونسيون في أن تكون بلادهم محطة هامة في طريق ضمان ليبيا و شعبها لمسار ديمقراطي ووطني يوفر الأمن و التقدم والإزدهار.