الاخيرة إلى ظاهرة ذهب ضحيتها مئات التونسيين وكان ذلك خلال زيارات ميدانية إلى صفاقس والمهدية، وهي من بين مناطق العبور إلى دول الشمال عبر البحر بما يحف بذلك من مخاطر. فالظاهرة لم تعد مقتصرة على الشباب فقط بل أصبحت تشمل الأطفال و النساء و الكهول الّذين يُكتشفون قبل ركوب البحر أو أثناء ذلك، أو الذين يُنتشلون كغرقى أو الّذين يبقون في عداد المفقودين أو الّذين يعبرون ويقع إلقاء القبض عليهم و ترحيلهم أو حجزهم، أو الناجون الّذين يتوصلون إلى دخول تراب دول الشمال و يبقون دون وثائق إقامة ومحل ابتزاز.
جميع هؤلاء يمكن اعتبارهم في الحقيقة ضحايا، بإستثناء القلّة القليلة الّذين يتوصلون إلى تسوية وضعياتهم بطريقة أو بأخرى ليبقوا على هامش المجتمع الّذي يستقرون فيه.
واللافت للنظر أن العبور عبر المياه الإقليمية التونسية لا يخص التونسيين فقط بل يشمل عدّة جنسيات أخرى يختار فيها الراغبون في الهجرة، الحدود التونسية الّتي تكون منطلقا لمغامراتهم «الانتحارية» أملا في بلوغ ما يعتبرنه بر أمان لهم كي يشتغلوا في أي عمل مهما كان شاقا ومهما كان الأجر ومهما كانت المعاملة.
هؤلاء المهاجرون هم في الحقيقة بمثابة المُهجّرين الحالمين بعالم أفضل لم تتوفر لهم في بلدانهم إمكانية أو ظروف العيش التي يحلمون بها، أو التي تُصوّرُ لهم، ومن بينهم أبناء تونس الّذين يقتلهم انتظار فرص العمل القار، فيخيرون المخاطرة بحياتهم علهّم يظفرون بصغار الأعمال، الّتي تمكنهم من جمع بعض المال لبناء مستقبلهم الذين يرسمونه بالحبر الوردي كما يقال، ولو كان ذلك مقابل تحمل وتقبل ظروف عمل وعيش مهينة و غير إنسانية أحيانا وباستغلال فاحش من أصحاب الأعمال والمشاريع في الدول الحاضنة.
لا شك أن الدولة مسؤولة عن هؤلاء لأن هي الّتي تضمن العمل و العيش الكريم. هذه المسؤولية ليست فقط في توفير أعمال قارة، بل في التخطيط بخلق أسواق شغل في كل المجالات و ذلك عبر مدارس التكوين المهني وشعب التعليم ذات الاختصاصات التقنية والفنية والحرفية و توفير الحوافز لدخولها وتركيزها في كل ولاية لتقريبها للدارسين ومتابعة تشغيلهم في مختلف المجالات بواسطة قوانين دمج ملزمة للمؤسسات مقابل تخفيضات ضريبية أو إنشاء أقطاب استثمار مختلفة. كل هذه التصورات ممكنة التطبيق ولكنها تتطلب توفر الإرادة وتوفير الإمكانيات.
ومن أبواب توفير الإمكانيات إستغلال الإعانات والتمويلات الّتي توفرها المنظمات الدولية الناشطة في مجال معالجة أو مجابهة ظاهرة الهجرة غير المنظمة أو المسماة غير الشرعية ، أو التي يمكن مطالبة الدولة الداعية إلى تطبيق خطط مجابهة «الهجرة غير الشرعية « بتوفير المساعدات اللاّزمة للحد من هذه الظاهرة ، بإعتبار أن تونس دولة عبور مطالبة من الدول المستوعبة لهؤلاء المهاجرين ، بالمشاركة في المجهود المبذول للحد من عدد الوافدين عليها.
لا شك أن الحزم في حراسة الحدود أمر ضروري للتوقي من مخاطر تهم أمن البلاد وسلامة ترابها، و لكن يكون الحزم ضروريا للتصدي لما تقوم به «الحيتان الكبيرة» حسب تعبير رئيس الجمهورية، التي تستغل لهفة الباحثين على العمل الراغبين في الهجرة، فتمتص ما تبقى من عرقهم بأثمان باهظة، لترحيلهم غير آمنين وفي ظروف خطيرة إلى وجهات قد لا يدركونها إلا بأنظارهم من خلال تلألؤ الأضواء فيها. هؤلاء المُرحّلون للراغبين في الهجرة ينشطون في شبكات منظمة تصطاد القانطين واليائسين في المقاهي والساحات العامة، فتزين لهم جنان الشمال ثم يلهفون ما يلهفون من أجل رحلة قد تتم أو قد لا تتم أو قد تكون رحلة الموت.
إن الباحثين عن العمل المدفوعين إلى الهجرة بكل الطرق، لا يهتمون باللوم و لا إلى التنبيه إلى المخاطر، ولا إلى الوعود المتكرّرة. إنهم يحتاجون إلى من يسمعهم ويقف إلى جانبهم و يساعدهم على إيجاد عمل قار يضمن لهم العيش الكريم،و حبّذا لو تم ّ توظيف المرشدين الّذين يلتقطون أصواتهم للتبليغ عن نوايا «الحرقة»، في التبليغ عن رغباتهم في إيجاد مواطن عمل، فيحولون إلى مراكز التشغيل بدل مراكز الأمن والايقاف، التي تبقى لتجار الموت، مصدر حُرقة الأباء والأمهات عن فلذات أكبادهم الغرقى أو المفقودين.
مآسي لهفة الهجرة إلى الشامل حُــرْقةُ «الحَرقة»
- بقلم المنجي الغريبي
- 09:36 05/08/2020
- 1532 عدد المشاهدات
في بداية هذا الأسبوع تركز اهتمام الرئيس الجمهورية على الهجرة المصطلح على تسميتها بغير الشرعية، والّتي تحوّلت في السنوات