على منح تفويض لرئيس الحكومة يمكنه من إصدار مراسيم تدخل في مجالات محدّدة لمدّة شهرين و ذلك إستنادا للفقرة الأخيرة من الفصل 70 من الدستور
عملية التصويت على مثل هذا القانون الاستثنائي تتمّ لأول مرّة في الشكل والأصل ، فمن حيث الشكل تمت على ضوء الأوضاع الاستثنائية بسبب فيروس كورونا(كوفين -19) بثلاث صيغ مختلقة ، و ذلك سواء حضورا بقاعة مجلس نواب الشعب بقصر باردو أو حضورا بمقر مجلس الفرعي المسمى مجلس المستشارين أو عن بعد عبر تطبيقة خصصت للغرض أو المراسلات الإلكترونية عبر الإنترنات بخصوص النواب المتواجدين في مختلف الجهات.
من حيث الأصل يُعدُّ هذا القانون استثنائيا لأنه يتعلّق بإمكانية إصدار مراسيم في مجال محدد من حيث الموضوع و من حيث الزمن و من حيث نفاذها .إذ أن كل المراسيم الّتي يمكن لرئيس الحكومة إصدارها تندرج في كيفية مجابهة فيروس «كورونا»و متطلبات توقيه و التدابير المرافقة التي يستوجبها الظرف . أمّا امكانية اصدار هذه المراسيم ستكون في مدة حدّدت بأجل شهرين ابتداءا من تاريخ دخول القانون حيّز النفاذ من تاريخ صدوره بالرائد الرسمي، و هو ما يعني أنه لن يكون لرئيس الحكومة إصدار مراسيم بنفس الصيغة بعد ستين يوما من نشر القانون ، في حين أن آثار المراسيم الصادرة تبقى سارية حسب ما تقتضيه من أحكام المتعلّقة بالإجراءات الخاصة. أما الخاصية الثالثة لهذه المراسيم ، فإنها ستخضع لعرضها من
الحكومة على مجلس نواب الشعب في أجل 10 أيام من انقضاء مدة الشهرين للمصادقة عليها . و في صورة عدم عرض هذه المراسيم من قبل الحكومة في الآجال خلال العشر أيام المذكورة ، يتعهّد المجلس تلقائيا بالموضوع.
هذا القانون صدر أخيرا بعد الأخذ والرد بخصوصه والجدل الذي اُثير حول الغرض المنصوص عليه بالدستور و الّذي كان موضوع إختلاف بخصوص نطاق المراسيم الّتي يمكن إصدارها . فباعتبار أن الدستور لم يستثن في مجال المراسيم غير ما هو متعلّق بالنظام الانتخابي ،فقد كان هناك تخوف لدى المعترضين على إصدار هذا القانون ،من اتساع مجال المراسيم الّذي سيمنح لرئيس الحكومة إمكانية إصدارها .
مرد هذا التخوّف هو بالأساس إنعدام الثقة خاصة لدى المؤسّسين الذين أدرجوا الفقرة الأخيرة من الفصل 70 من الدستور- آخر فصل في باب السلطة التشريعية-، ومنحوا إمكانية التفويض لرئيس الحكومة إصدار مراسيم لغرض معين تدخل في مجال القانون بصورة عامّة و هي عبارات قابلة للاتساع . هذا التوجس و التخوّف كانا وراء الجدل حول المدة والآجال و المجالات الّتي سيشملها التفويض ،و تفاقم خاصّة بعد الحوار الأخير الّذي وضع فيه الفخفاخ النقاط على الحروف بخصوص العمل المؤسساتي ومجال تدخل كل هيكل .
لكن بحكم خطورة الظرف و ضيق مجال المناورات السياسية في هذه الظروف الاستثنائية تم «التوافق الحتمي» و«توافق الإكراه» حول تحديد مجالات المراسيم والتنصيص عليها بصورة تكاد تكون حصرية.
المجالات الّتي جاء بها القانون تتعلّق بالتدابير الهادفة إلى الاحاطة و الدعم والمساعدة المباشرة للأفراد والمؤسسات المتضررين من تداعيات الفيروس و تعبئة الموارد لفائدة ميزانية الدّولة و المستوجبة لتغطية التكاليف. كما تتعلّق بإقرار أحكام استثنائية في اللآجال و الاجراءات في الدعاوى و الطعون أمام مختلف أصناف المحاكم ، و تنظيم الحقوق و الحريات لما يتلاءم مع التدابير الوقائية المستوجبة. وأيضا فيما يتعلّق بالميدان الصحي و البيئي و التعليمي و الثقافي ،و كذلك ميدان تسيير المرافق العمومية و الضمانات الأساسية.
بهذا منح نواب الشعب لرئيس الحكومة تفويضا سيمكنه ظرفيا ،من ممارسة سلطة لم تمنح لسابقيه في ظل الدستور الجديد و سيشكّل سابقة سواء في تطبيق الفقرة الأخيرة من الفصل 70 من الدستور ، و هي سابقة هامة في فقه القانون الدستوري الّتي ستكون مادّة للمجادلات القانونية ، و كذلك ستشكل سابقة أيضا في عمل مجلس النواب بخصوص آلية التصويت على القوانين عبر تطبيقة رقمية أو بواسطة البريد الإلكتروني ، و هي سابقة قد تروق للنواب محبذي التواصل عن بعد و هو ما قد يحملهم بعد نجاح التجربة، على المطالبة بإعفائهم من الحضور بعد هذا الظرف الاستثنائي.
أما بخصوص رئيس الحكومة فإن التفويض يحمّله مسؤولية التحكم في مسار استثنائي و في نفس الوقت يمنحه فرصة للكشف على قدراته السياسية والإدارية وعلى توظيف كل الكفاءات الاقتصادية والمالية لتجاوز الأزمة المزدوجة والمتمثلة في إكراهات التركة الّتي تسلمها من سلفه، ومجابهة الظرف الطارئ الناجم عن مخاطر تفشي فيروس كورونا و تداعياتها على الحياة العامة .