وفي خطاب عموم الناس في حياتهم اليومية نذكر من بين هذه المصطلحات: الشبيحة، الطحالب، الأزلام والبلطجية... والبلطجة هي حسب البعض، «نوع من النشاط الإجرامي يهدف إلى فرض السيطرة على فرد أو مجموعة، وإرهابهم وتخويفهم بالقوة عن طريق الاعتداء عليهم أو على آخرين و التنكيل بهم وأحياناً قتلهم لغرض السرقة أو قمع الرأي.» ولئن تماهت البلطجة مع الأنظمة الاستبدادية فأطلقت على أتباع «مبارك» و«الأسد» و«صالح» ... فإنّ هذه الطريقة العنيفة في التعامل مع الآخرين صارت أكثر ارتباطا بشخصية «دونالد ترانب» Donald Trump الذي عرف بتجاوزه للمعايير والأعراف والاطيقا السياسية. ولعلّ أبرز مثال على توخي ‘البلطجة’ أسلوبا في قيادة الولايات المتحدة الأمريكية التهديدات الموجهة إلى كلّ الدول التي ستصوّت على قرار إلغاء «القدس عاصمة إسرائيل».
لقد جُوبه القرار الأمريكي بمطلب عاجل رُفع إلى الجمعيّة العامة في هيئة الأمم المتحدة من أجل استصدر قرار جديد يقضي بإلغاء قرار «ترانب» . ولئن كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد استعملت من قبل التهديد وسيلة لتغيير مجرى التصويت، بطريقة غير مباشرة أو في الكواليس فإنّ السلوك الأمريكي الجديد صار أكثر «بلطجة» إذ أنّ ممثلي السياسات الجديدة صاروا لا يجدون غضاضة في تهديد الدول بتجويعها إن صوّتت ضدّ قرار «القدس عاصمة إسرائيل».
يقودنا هذا النمط من بناء العلاقات القائم على استعمال العنف والتهديد بقطع الإعانات عقابا لمن لم يخضع لأوامر «ترانب» إلى الانتباه إلى التغيير الطارئ على مفهوم «الديمقراطية». فالولايات المتحدة الأمريكية لم تعد تفاخر بأنّها أنموذج الممارسات الديمقراطية وهي القادرة، بما تراكم لديها من تجارب عريقة، على التأثير في السياسة العالمية والضغط على الأنظمة الاستبدادية حتى تراجع خياراتها بل إنّها أصبحت أميل إلى استعمال أشكال من العنف للوصول إلى تحقيق غاياتها، وهنا يقع الانزياح والنكوص وتسقط سردية ‘أمريكا المخلصة ‘: مخلصة الشعوب من الاستبداد ومحررة النساء من القمع الذكوري (أفغانستان، العراق...). إنّنا إزاء تاريخ من «الديمقراطيات» المتعددة تتلوّن وفق السياق وموازين القوى، وحسب تركيبة الشخصية السياسية، وهو تاريخ ارتكبت فيه أخطاء تسمح بالمراجعة والتعديل.
وتعيد سياسات «البلطجة» التي أقرّها «ترانب» إلى الأذهان صورة الأمريكي: الرجل الأبيض المهيمن الذي لا يهاب المعارضين ولا يأبه بكثرة عدد منتقديه. وحسب استبيانات الرأي الأمريكية يعتبر «ترانب» أسوأ رئيس حكم الولايات المتحدة الأمريكية وأكثر سياسي لا يتمتع بالقبول الشعبي وهو مُدان من قبل الحركة النسوية لاسيما بعد وقوفه ضدّ الإجهاض وسلوكه الشائن. فقد ارتفع عدد النساء المبلغات عن تحرّش «ترانب» بهنّ في الأسابيع الأخيرة.
فلا غرابة أن تتخذ بعض قوى المعارضة اجراءات عديدة للتنديد بتجاوز «البيت الأبيض» القوانين والمواثيق والتقاليد العريقة التي يفتخر بها الأمريكيون. وهنا تتعدد تصريحات المعارضين لسياسات «ترانب» وتبرز مخاوف جديدة تتصل بـ«الفاشية»، ذلك أنّ منوال الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية بات يقترب، حسب عدد من المحلّلين، من المنوال الروسي في اعتبار القوّة قيمة عليا تضبط وفقها السياسات الخارجية. ويترتب عن هذه الطريقة في الحكم عودة «أسطورة الرجل الأبيض» المتفرد برئاسة العالم إلى السطح وهيمنتها على المتخيل السياسي، ويغدو الاستقطاب بنية علائقية قائمة الذات تحكم المحافظين الجدد والجمهوريين...، من جهة، وأمريكا والعالم، من جهة أخرى.
والظاهر أنّ الحكم الشمولي والغطرسة والاستبداد، لم تعد من «خصوصية الأنظمة العربية الإسلامية» بل هو خيار بدأ يجذب من أرادوا استرجاع «الحلم الأمريكي» وإحياء أنموذج «راعي البقر» الذي يبطش بالآخرين، ويطوعهم لإرادته ويذلّهم علّه بذلك يرضي غروره.