اكبر بكثير من كل الخلافات الشخصية مهما عظمت..فعندما نعلم أن الهيئة مقبلة على انتخابات جزئية بألمانيا بعد أقل من ثلاثة أسابيع ثم
البلديات في 25 مارس 2018 (؟) وأخيرا مارطون انتخابي في نهاية 2019 : التشريعية والرئاسية نرى الحجم الهائل من العمل الذي ينتظرها وأنها لن تتمكن من انجاز كل هذه المهام بالحدّ الأدنى المطلوب ديمقراطيا دون وحدة داخلية وعمل جماعي متضامن ونزيه..
وأرادت الهيئة أن يكون تثبيت موعد 25 مارس 2018 لإجراء الانتخابات البلدية هو بمثابة غلق نهائي لازمتها الداخلية ولكل ما شابها من تشكيك في جديتها وقدرتها على مواصلة الاضطلاع بهذه المهمة الأساسية في الانتقال الديمقراطي التونسي..
لقد أصدرت الهيئة قرارا بتاريخ 24 نوفمبر ضبط الروزنامة التي ستؤدي إلى الانتخابات البلدية يوم 25 مارس ،ومن النقاط الأساسية فيها أن باب الترشح سيفتح يوم 3 جانفي 2018 وسيغلق يوم 10 من نفس الشهر..
أي حسب هذه الروزنامة فإن شهرا واحدا يفصلنا عن موعد تقديم القائمات بالنسبة للأحزاب وللمستقلين وبما ان هنالك 350 دائرة بلدية وحوالي 7200 مقعد للمستشارين فهذا يعني أننا سنجد عشرات الآلاف من المترشحين هذا إن لم نتجاوز المائة ألف مترشح لأول انتخابات بلدية ديمقراطية تعددية في تاريخ تونس..
ولا ينقص لترسيخ هذا الموعد بصفة نهائية سوى الدعوة الرئاسية للناخبين قبل ثلاثة أشهر من يوم الاقتراع ..وحسب مصادر مطلعة في قصر قرطاج فان الأمر الرئاسي لن يتأخر كثيرا لان الشرطين اللذين اشترطهما رئيس الجمهورية قبل الأمضاء على هذا الأمر قد تحققا وهما سدّ الشغور في الهيئة وانتخاب رئيسها ..
ولكن هنالك شروط أخرى ضرورية وتحسينية لإمكان إجراء هذه الانتخابات في هذا الموعد بالذات واهم الشروط الضرورية هو تركيز فروع المحكمة الإدارية ،أما الشرط التحسيني الأبرز فهو المصادقة على قانون الجماعات المحلية والذي لم يفترضه القانون الانتخابي ولكن المنطق السوي يقول بأنه من المستهجن انجاز انتخابات سنة 2018 بمقتضى قانون 1975..
ولكن يبدو هذه المرة أن موعد 25 مارس 2018 سيتم تثبيته بصفة نهائية خلال الأيام القادمة من قبل رئيس الجمهورية وان كل من راهن من الأحزاب على عدم إجراء الانتخابات البلدية في السنة القادمة سيجد نفسه في وضعية حرجة للغاية وسيكون أمام خيارين أحلاهما مرّ : إما القفز على هذه الانتخابات أو خوضها بحظوظ ضعيفة وفي كلتا الحالتين ستكون النتائج وخيمة ..
جلّ أحزاب الحكم والمعارضة تخشى الانتخابات البلدية القادمة لأن حسابات الخسارة فيها ستكون أكبر بكثير من حسابات الربح..
فلو تمّ تثبيت موعد 25 مارس 2018 ستكون الاحزاب المتنافسة مضطرة لتقديم 350 قائمة فيها حوالي 7200 مترشح بشروط دقيقة وصعبة أحيانا (التناصف العمودي والأفقي ووجود الشباب وذوي الاحتياجات الخصوصية) وقرابة 1000 مرشح إضافي ،هذا إذا ما أراد حزب بعينه خوض غمار المنافسة في كل الدوائر مع العلم أن المترشح ينبغي أن يكون مرسما في
نفس الدائرة الانتخابية وهذا ما يزيد في تعقيد المسألة..
إذ مع منتصف جانفي القادم ستتضح قائمة الأحزاب المستعدة بصفة جدية وتلك التي تشارك من أجل المشاركة..ثم لا ينبغي أن ننسى أن القانون الانتخابي وإن حافظ على مبدإ النسبية مع اكبر البقايا (كما الحال في التشريعية ) إلا أنه وضع عتبة %3 أي أن القائمات غير ذات الوزن الانتخابي ستسقط جميعا وسوف تسمح هذه العتبة للقائمة المحرزة على أكثر من %40
من الأصوات بالحصول على الأغلبية المطلقة للمقاعد في جل الحالات على عكس ما هو حاصل في الانتخابات التشريعية حيث تحصل نداء تونس على %38 من الأصوات و%40 من المقاعد فقط..
على عكس ما يعتقد العديدون فإن الانتخابات المحلية في العالم أجمع هي على مقاس الأحزاب الكبرى والوسطى (اي فوق %10 من الأصوات المصرح بها )بينما عندنا في تونس بهذه المقاييس حزبان كبيران فقط : النداء والنهضة ،ولا وجود لأي حزب متوسط الحجم إلى حد الآن..
والرهان الأكبر في هذه الانتخابات هو بروز حزب أو أكثر ينتمي لهذا الصنف، لكن المعطيات الحالية تقول بأن جلّ الأحزاب المعنية بهذا التحول لم تستعد له كما ينبغي ..
سوف نسمع كلاما كثيرا خلال الأسابيع القادمة حول جدية موعد 25 مارس والشروط الضرورية والتحسينية لإجراء هذه الانتخابات ،ولكن الأساسي في كل ديمقراطية انتخابية هو يوم الاقتراع ،يوم تفرز الأصوات وتتضح الأحجام .. وحينها لن تنفع كثرة الكلام..