من 358 شخصا من المدنيين، وجرح 228 شخصا ،وفقدان 56 آخرين وهذا من شأنه أن يجعل هذا الحدث يحتلّ الصدارة على مستوى التغطية في كافة وسائل الإعلام لأنّه حدث تجاوز كلّ التوقعات. ولكن لم يحدث ذلك. فهل معنى هذا أنّ التغطية قد اعتمدت الفرز وفق المنطقة الجغرافية ومقدار تطور التنمية والغنى والقوّة؟. إنّ موقع الصومال إفريقيا يجعله في الهامش لا في المركز، ويحوّله إلى الآخر المنسيّ على عكس بعض البلدان الغربية كفرنسا وبلجيكا واسبانيا وألمانيا التي استحوذت على اهتمام العالم بسبب موقعها في المعادلة السياسية وفي منظومة الهيمنة. فهي بلدان منتمية إلى العالم المتحضّر والديمقراطي والمتطوّر و...
ولا ريب أنّ طريقة التغطية لما يحدث في القارة الإفريقية تفضح نسق التمثلات السائد. فالمواطن الغربي مواطن كامل الحقوق له امتيازات تجعله يحظى باهتمام دولته وغيرها من الدول حيّا أو ميّتا. وفي المقابل لا زال العالم ينظر إلى الآخر الأسود والفقير والضعيف...على أساس أنّه خارج «اللعبة السياسية» وخارج دائرة الاهتمام وخارج المشترك الإنسانيّ. إنّ الصوماليّ يتمثّل على أنّه نصف مواطن ونصف إنسان وموته لا يعني خسارة كبيرة تستدعي الحديث عنه ولا توصيف آلام الأهل وذعر الأطفال والنساء والرجال بعد حدوث الانفجار الإرهابي.
عندما تحدث عمليّة إرهابية في الغرب يهتزّ العالم وتكثر أشكال التعبير عن التعاطف عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومن خلال المظاهرات وغيرها من الأنشطة المستنكرة لهذا العنف الهمجي. فكيف يتجرأ الإرهابيون على تهديد أمن الغربيين البيض والمسالمين؟ ولكن عندما يدكّ الإرهاب البلدان الفقيرة فإنّ ذلك لا يعدّ حدثا استثنائيا أو فاجعة إنسانية بل هو الخبز اليومي لهذه الشعوب التي عاشت منذ سنوات على وقع الحرب الأهلية والكوارث الطبيعية والفقر والمجاعة وغيرها من المصائب. إنّها شعوب مقدر لها أن تعاني وتتحمّل بصمت...
وبالرغم من بطش جماعة «الشباب» الإرهابية بالنساء والأطفال، واستمرار أنشطتها الدموية في موغاديشيو وكينيا، واستقطابها لعدد من المقاتلين الغربيين فإنّ الضمير العالمي لا يتحرّك ولا تكترث وسائل الإعلام بما يجري هناك على الضفة الأخرى... مادامت جماعة «الشباب» لم تستهدف الولايات المتحدة الأمريكية في أرضها، وما دام أغلب الضحايا في الصومال من المسلمين.
وهكذا ننتبه إلى أنّ انتهاكات حقوق الإنسان وفي مقدّمتها الحقّ في الحياة تخضع لمعايير مختلفة وتستتبع تغطية إعلامية تتلاءم مع قيمة الفرد في هذه الدولة أو تلك هذا دون أن نتغاضى عن التمييز الممارس إعلاميّا على أساس الدين والعرق والإثنيات.
أن يهمّش الإعلام الغربي أبشع عمليّة إرهابية جرت في السنوات الأخيرة لا لشيء إلاّ لأن الصوماليين يمثّلون «الآخر» الذي لا يعنينا لانتفاء وجود مصلحة معه فذاك أمر مفهوم ينسجم مع «سردية كولونيالية» معلومة. ولكن أن يقتدي الإعلام التونسي والعربي بالغرب في تجاهله للضحايا وللغضب الشعبيّ العارم ولآلام المضطهدين وأن يعيد إنتاج نفس التمثلات، وأن يتّخذ نفس المواقف فذاك أمر يجعلنا نتساءل: إلى متى نحاكي الآخر في مشاعره وفي تقييمه وفي أحكامه ونتبنّى معاييره في الحكم على الأحداث؟ إنّ الإرهاب يحصد رؤوس الأبرياء ولا يرسي معايير تمييزية ولا يفرّق بين هذا وذاك ... إنّها أرقام تضاف إلى سردية الرعب.