الاستظهار بشهادة إسلامه) لا يتجرأ أحد على طرحه داخل جلّ الدول العربية (باستثناء المغرب الشقيق) ولا حتى على التساؤل حوله بما في ذلك في عدة أوساط تسمى بكونها ديمقراطية وتقدمية..
والسبب واضح وجلي وهو أنّنا نجني اليوم ، وذلك أيّا كانت نتيجة الإعلانات الرئاسية ، ثمرة الثورة الاجتماعية الكبرى التي أطلقتها تونس منذ أكثر من ستين سنة ذات يوم في 13 أوت 1956 والبلاد مازالت حديثة عهد بالاستقلال ومازالت القوات العسكرية الفرنسية على طول البلاد وعرضها وحالة من الانقسام الحاد داخل الحزب الحاكم أدت إلى عمليات عنف وقتل واضطراب في الأمن العام..ونذكر أيضا بأن البلاد لم تكن لديها عملة وطنية ولا دستور ولا إدارة فاعلة بعد هجرة جلّ المعمرين من البلاد..كما أن أراضي زراعية كبرى مازالت لم تدخل بعد تحت السيادة الوطنية..
نذكّر بكل هذا لمن نسي أو تناسى الظروف السياسية والاجتماعية والأمنية والاقتصادية التي أقدمت فيها دولة الاستقلال الفتية وزعيمها الحبيب بورقيبة على انجاز أكبر ثورة في البنى والقيم الاجتماعية في العالم العربي على امتداد كامل القرن العشرين..وان من يرى بان الظروف اليوم «غير مواتية» لكي نتقدم خطوات في هذا الاتجاه فكيف كان سيكون رأيه يوم 13 أوت 1956 !!
المهم هنا هو أن ثورة 13 اوت 1956 هي التي هيكلت تونس اليوم وذلك رغم فترات الحكم الفردي وبعدها الاستبداد المافيوزي فثورة تونس الكبرى لم تغير فقط الإطار التشريعي للمرأة والأسرة بل غيّرت في العمق البنى الاجتماعية والذهنيات العامة حتى أضحى خطاب أكثر المحافظين عندنا تمسكا بالقديم في نفس مستوى متوسط الخطاب العربي التقدمي في المسائل المجتمعية ..
ما هو دارج وعادي في كل المجتمعات العربية أصبح عندنا شاذا وبلا أي معنى كالدعوة للرجوع إلى تعدد الزوجات وغيرها..قوة ثورة 1956 أنها تمكنت من التغلغل في كل المستويات الاجتماعية والجهوية والتعليمية في تونس إلى أن أصبحت بعد جيلين مكاسب جوهرية لا يمكن تصور الارتداد عنها بل وعلى عكس كل دعاة «الحذر» أصبح بالإمكان اليوم التقدم نحو المزيد منها رغم تقديرنا بان جزءا هاما من المواطنات والمواطنين مازال لم يدرك بعد جدوى وأهمية هذه الثورة الثانية ..
لا نقول كل هذا افتخارا وتفاخرا ولا ازدراء لكل ما يحصل على صعيد الأفكار والتقدم المجتمعي الفعلي في جل الدول العربية فنحن في سفينة واحدة وإن كنا في مواقع مختلفة فيها..
فتونس دائما ما كانت تؤثر وتتأثر بمحيطها المغاربي أولا والعربي ثانيا .. وحركة الفكر والنهوض الاجتماعي والقيمي لا تعترف بالحدود ..
لا ينبغي أن نتأثر كثيرا ببعض الردود العنيفة ولو جاءت من مؤسسات رسمية كالأزهر..
فبعضها ناتج عن جهل لما يحصل في بلادنا وبعضها الآخر ناجم عن فهم سلفي عودوي للدين تجاوزته نخبنا وجلّ فئات مجتمعنا ..
المهم عندنا هو حالات الإعجاب والانبهار بما يحدث داخل بلدنا الصغير نسبيا جغرافيا وبشريا والكبير تاريخيا وحضاريا..
ما يحدث في تونس منذ دولة الاستقلال الأولى مثل في حالات عدة صدمة نفسية ايجابية لأجيال كاملة من العرب وحجة إضافية للمدافعات والمدافعين عن الحداثة وحقوق الإنسان في كامل المنطقة العربية ..
نحن نعلم أن العديد من المعجبين بتجربتنا المجتمعية لا يتجرؤون عن الدفاع عنها علنا مخافة التكفير والإقصاء والتهميش وحتى المحاكمة ولكنهم يجدون فيما يحدث في بلاد افريقية دفعا معنويا قويا لنضالاتهم المخصوصة ..
طريق المواطنة القائم على المساواة المطلقة في الحقوق بداية وفي تساوي الفرص الاجتماعية ثانية هو طريق سينتصر لا محالة في بلادنا وفي كل البلاد العربية مهما كانت وضعيتها اليوم لأنه طريق يتناغم فيه الطبيعي مع الروحي مع الفاعلية الاقتصادية والاجتماعية والعلمية القصوى ، فلا ينبغي أن نخشى من منعرجات هذه الطريق وتعثراتها كما لا ينبغي الاستهانة بصعوباتها واحراجاتها ..
فنحن بصدد رسم الخطوات الأولى والجدية لإصلاح عميق وشامل للحضارة الإسلامية ولموروثها الديني ولمخيالها الاجتماعي ..
نحن لسنا بصدد إصلاح ضيم يهم نصف المجتمع ..
نحن بصدد معالجة عطالة قرون شملت وتشمل ربع الإنسانية..