حرب بالذخيرة الحية تدور رحاها في بلادنا منذ ست سنوات ..حرب استشهد فيها العشرات من قواتنا الأمنية والعسكرية ومن المدنيين ومن زوار تونس..حرب تمكنت فيها قواتنا الباسلة من القضاء على العشرات من سافكي الدماء وفككت المئات من الخلايا ..حرب فيها من أسوإ وأنذل ما شهدته البشرية عبر تاريخها الطويل حيث يقترف بعض الآدميين المجردين من إنسانيتهم أبشع أنواع الذبح والتنكيل معتقدين في كابوسهم الدموي أنهم يفعلون ذلك ابتغاء الجنة..حرب فيها بطولات نسجها رجال ونساء تونس..بطولات فرقنا المختصة في مختلف الأسلاك..بطولات في اختراق مجموعات الدم هذه وتأمين البلاد والعباد..
ما حدث منذ يومين في القصرين هو إحدى هذه البطولات التي نسجت خيوطها الوحدات المختصة بالحرس الوطني استقصاء واستخبارا وتتبعا وتخطيطا وإنجازا..وكل ذلك دون أن يصاب أي واحد من أبطال تونس ولو بجروح خفيفة..
تأتي هذه البطولة لتؤكد حقيقة ما فتئت تنصع يوما بعد آخر : لقد ربحت تونس الحرب ضدّ الإرهاب وانقلبت الموازين بصفة جذرية..بعد أن كانت قواتنا العسكرية والأمنية هدفا لمجموعات الإجرام في 2013 و2014 و2015 خاصة،وما فاجعة هنشير التلة عنا ببعيدة،وما أزهقته الدواعش من أرواح بشرية في باردو وسوسة كذلك..بعد موجة الرعب هذه وما سبقها من تراخ وتساهل بعض من كان في الحكم زمن الترويكا،تعافت الدولة التونسية تدريجيا بفضل حزم وتصميم مختلف أسلاكنا المسلحة وانقلبت موازين القوى في ملحمة مشهودة ببن قردان في مارس 2016 حيث سقط الكابوس الداعشي نهائيا ..وبين الفينة والأخرى عمليات استباقية نوعية وتفكيك شبكات وخلايا وتشديد الخناق على المجموعات المتحصنة بالمرتفعات الغربية في الكاف وجندوبة والقصرين..
لا ينبغي أن نكون قصيري الذاكرة .. فتونس قد قاست الويلات بفعل إرهاب مجموعات الإجرام هذه، وان تُحاصر اليوم فلولها وتُصطاد كالجرذان في مخابئها لا يعني أن بلادنا قد تجاوزت مرحلة الخطر نهائيا ..نعم لقد ربحنا الحرب ضد دعاة الموت ولكن لم تنته بعد كل المعارك وما زال فينا من يمنّي النفس بكابوس إمارة حالكة دموية ..ومازالت لهذه المجموعات الآبقة قدرة على الإيذاء وعلى بث الرعب..
فالحرب مازالت متواصلة رغم انه لا يخامرنا أدنى شك في مصيرها ..ولكن لا ينبغي أن نتكل فقط على أبطالنا في مختلف الفرق المختصة ..فمكافحة الإرهاب لا تحصل فقط بالسلاح بل لابد أن تعضدها سياسات عمومية سجنية وثقافية واجتماعية ودينية ولابد كذلك من قيام كل قوى المجتمع بدور أساسي فيها لان هذه الحرب تبدأ في النفسيات والأذهان ومناخ الحياة وتنتهي في ساحات الميدان..
الواضح ان بعض من وكلوا أنفسهم لقيادة البلاد ليسوا في مستوى هذه الحرب وهذه التضحيات وهذه البطولات ..عندما نرى الدسائس وسفاسف الأمور تطغى على بعض المطابخ السياسية فندرك أننا بصدد إضاعة الكثير من الوقت وان جزءا من النخبة السياسية غير قادر على تحويل انتصارات أبطالنا في ساحات الوغى إلى انتصارات سياسية وثقافية ومجتمعية ضد الآفة الإرهابية..
لا ينبغي أن تحصل كارثة جديدة بإحدى مدننا الساحلية حتى ندرك من جديد بان هنالك حربا على الإرهاب في تونس..
ولا ينبغي أن نصفق اليوم لبطولات فرقنا الخاصة ثم نواصل في نفس الأخطاء والسفاسف وكأنّ شيئا لم يكن ..
برافو نقولها من الأعماق لكل قواتنا الحاملة للسلاح في حربها ونضالها واجتهادها وتضحياتها وبطولاتها ضد آفة هذا العصر..
ومن حق كل شهداء تونس أن تكون نخبنا السياسية والإعلامية والحقوقية والنقابية في مستوى هذه البطولات حتى نختصر الوقت ونحد من الخسائر في الأرواح والممتلكات ونسمح لبلادنا بالتخلص نهائيا من هذه الصورة التي علقت بها : بلاد المخاطر الإرهابية وبلاد تصدير الإرهاب ..
برافو لطلائع تونس في انتظار أن يلتحق البقية بهذه القمم السامقة..