والتي تم منح تونس على أساسها قرضا بـ2.9 مليار دولار سنة 2016..
وللتذكير فإن هذه الزيارة تأتي بين فترتي القرار بتسريح أحد أقساط القرض الثمانية من عدمه..
فتونس تنتظر تسريح القسط الثالث من هذا القرض في نهاية هذه السنة.
من نافلة القول التذكير بأن تمويل ميزانية الدولة لهذه السنوات وللسنوات الثلاث القادمة على الأقل مرتهن بصفة جوهرية بمواصلة صندوق النقد الدولي تسريحه للأقساط القادمة لا لأنها تمثل إمدادا ماليا أساسيا (القسط الواحد هو في حدود 750 مليون دينار تقريبا ) ولكن لأنه لو لا الضوء الأخضر لصندوق النقد الدولي فلن تجد تونس من يقرضها بشروط معقولة وستضطر للجوء إلى السوق المالية العالمية دون مظلة حامية وبنسب فوائد (قد تصل إلى %7 أو %8) تقود حتما إلى الإفلاس على المدى القصير.
وعلى عكس اعتقاد سائد في تونس فان صندوق النقد الدولي لا يريد نهب خيراتنا ولا يدخل ذلك البتة في خطط عمله ولكنه لا يقرض أي بلد إلا بشروط صارمة فلسفتها الارثودكسية المالية : أي أنّ الحلّ الوحيد للخروج من المديونية المفرطة لبلد ما هو ان يضغط على نفقات التصرف وان يرشد سياسات الدعم الاجتماعي وان يعيد دورة الإنتاج إلى النماء بفضل الاستثمار العمومي..
فالدولة التي تلجأ إلى صندوق النقد الدولي بعد تفاقم عجز ميزانيتها وحاجتها إلى حشد تمويلات أجنبية،تعلم سلفا أنها ستضطر إلى سياسات عمومية هدفها الضغط على نفقات التصرف وان موافقة صندوق النقد الدولي لتمويل هذه الدولة مرتهنة بجملة من السياسات العمومية التي تعيد التوازن إلى الميزانية وتقلص بالتالي من المديونية ..
وهكذا يتضح أن الجدل الذي يقوم بين الفينة والأخرى حول جدوى اللجوء إلى صندوق النقد الدولي لا معنى له لأنه لم يكن أمام الحكومات التونسية المتعاقبة منذ سنة 2013 وبعد أن استهلكنا كل مخزوننا القديم وعمدنا إلى سياسات عمومية توسعية (انتدابات في الوظيفة العمومية وصل عددها الصافي في ظرف 6 سنوات إلى ما يفوق 200.000 انتداب أو ترسيم وزيادات في الأجور جعلت هذه الكتلة تتضاعف في نفس هذه الفترة) لم يكن أمام هذه الحكومات إذن من بدّ سوى اللجوء إلى صندوق النقد الدولي ولولا ذلك لكان الإفلاس منذ سنة 2014 أو 2015 على أقصى تقدير..
البيان الإعلامي الذي أصدره صندوق النقد الدولي اثر زيارة وفد الخبراء قد صيغ بطريقة ديبلوماسية نوه فيها بالتقدم الحاصل في جملة من القطاعات والسياسات رغم البطء الملاحظ ..(انظر مقال زمردة الدلهومي)..
ولكن جلّ ما في البيان الإعلامي يشير إلى نواقص البلاد :
• ارتفاع كتلة الأجور إلى %14.1 من الناتج المحلي الإجمالي في السنة الفارطة وهذه النسبة هي من ارفع النسب في العالم وتونس قد تعهدت بتقليصها إلى حدود %12 في موفى سنة 2020 والواضح أنها لم تقم بعد كل الإصلاحات الهيكلية الضرورية لذلك أي التقليص التدريجي في عدد الموظفين بدءا بسياسة الخروج الطوعي للتقاعد ثم عدم تعويض كل الخارجين للتقاعد..
• إصلاح منظومة التقاعد للحد من العجز المتفاقم للصناديق أي الترفيع الإجباري في سن الخروج إلى التقاعد مع توحيد نسبي لمختلف أنظمته مما سيحد حتما من عدة مكتسبات لبعض القطاعات أو المهن..
• إصلاح المنظومة المالية بما ييسر الوصول للقروض لكل الفاعلين الاقتصاديين الحاليين او المقبلين
الصندوق يثمن مجهودات الحكومة خاصة في حربها على الفساد وفي بدء إصلاح منظومة الدعم لكن الواضح أن المشوار طويل وان الإصلاحات القادمة ينبغي أن تكون أكثر جرأة لا فقط ليرضى عنا خبراء الصندوق بل لكي تتحكم بلادنا في مديونيتها ولكي تعود عجلة الاقتصاد إلى النمو السريع..
هنالك رقم هام ينبغي ان نقف عنده جميعا وهو أن نسبة التداين الخارجي العام للبلاد قد بلغت %75 من الناتج المحلي الإجمالي وهذه النسبة تقحم علاوة على التداين المباشر للدولة تداين المؤسسات العمومية الذي بلغ مستويات مرتفعة جدا وهذه المؤسسات تداينت بضمانة من الدولة التونسية أي في الأخير الدولة التونسية هي التي ستسدد هذه الديون في صورة تواصل عجز المؤسسات العمومية
إصلاحات ثقيلة تنتظر البلاد بعضها سجالي للغاية كالخوصصة الكلية أو الجزئية لبعض المؤسسات العمومية علاوة على ضرورة تعصير الوظيفة العمومية لكي تكون عنصرا يضيف للإنتاج وينميه لا عبئا عليه بيروقراطيا وبشريا..
في الحقيقة لا تملك تونس حلولا كثيرة ..فالطريق السالكة الوحيدة هي التحكم العقلاني في إنفاق الدولة ونمط عيشها كما يقال حتى يكون ملائما مع تطور ثروة البلاد وإعادة تشغيل محركات النمو بأقصى سرعة..
البلاد تحتاج إلى الكثير من الهدوء والعقلانية والمسؤولية لكي نخرج بأخف الأضرار من هذه السنوات العجاف.