العملية البرية في غزة: القضاء على المقاومة وإعادة تشكيل الشرق الأوسط

صباح يوم أمس الثلاثاء أعلن الاحتلال عن بدء

المرحلة الرئيسية من هجومه البري على مدينة غزة، في عملية وُصفت بأنها الأوسع والأعنَف منذ بداية الحرب المستمرة منذ عامين والتي يبحث قادة الاحتلال عن حسمها بـ«سحق حماس» وفق خطابهم الرسمي و«تهيئة الظروف» لإطلاق سراح أسراؤه. لكن خلف هذا الخطاب تقف أهداف أبعد، تتجاوز حدود الميدان العسكري، وتكشف عن استراتيجية شاملة يسعى الاحتلال إلى فرضها بقوة السلاح تحت غطاء الدعم الأمريكي الصريح.

الهدف المعلن لهذه الجولة من الحرب هو القضاء على القدرات القتالية لحركة حماس، وتصفية المقاومين الذين يُقدَّر عددهم في غزة بنحو ثلاثة آلاف، وفق تقديرات جيش الاحتلال. هذا الهدف يُسوَّق كضرورة أمنية، ويُقدَّم للرأي العام العالمي باعتباره شرطًا لاستعادة «الأمن» و«السلام». غير أن هذا الخيار الذي يُقابل برفض المؤسستين الأمنية والعسكرية للاحتلال وتطالبان حكومتهما بأن تسعى إلى الصفقة وأن تذهب إلى الخيارات المتاحة عوضًا عن الخيار العسكري الذي سيكلف الكثير دون ضمانات لنجاحه، وهم في هذا مصيبون؛ فمهما اتسع نطاق العمليات العسكرية لن تنجح في إنهاء المقاومة ولا في إخماد جذوة الرفض الفلسطيني.

خيار التصعيد والذهاب إلى الحل العسكري عوضًا عن التفاوض والصفقة يحظى بدعم أمريكي وفق ما يصرح به وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بقوله: «علينا أن نكون مستعدين لاحتمال ألا يحدث حل دبلوماسي»، مع إشارته أن حكومته تدعم أي حل يتجه إليه الاحتلال، وهو ما يعني منح الضوء الأخضر لمواصلة منطق القوة على حساب أي مسار سياسي تفاوضي.

فما تقوله الإدارة الأمريكية بشكل غير مباشر هو أنها ومن أجل تحقيق المطلب المشترك لدونالد ترامب ونتنياهو والمتمثل في تفكيك المقاومة ونزع سلاحها والإفراج الفوري عن الأسرى مقابل التفاوض من أجل إنهاء الحرب دون ضمانات فعلية لإنهائها، وهي مطالب تعادل في جوهرها استسلامًا كاملًا من قبل المقاومة دون أي مقابل ورضوخًا لواقع سياسي جديد في المنطقة عنوانه الأبرز تصفية القضية الفلسطينية.

هذا الخيار المشترك بين الإدارة الأمريكية وحكومة الاحتلال بالذهاب إلى التصعيد والمراهنة على الحسم العسكري لفرض أمر واقع في غزة تكون فيه الأفضلية للاحتلال — سواء أن نجحت عمليته البرية أو فشلت — فهي في أسوأ الأحوال من منظور الاحتلال ستمثل ضغطًا إضافيًا على المقاومة يدفعها إما إلى القبول بما رفضته سابقًا وهو تفكيك بنيتها التحتية ونزع سلاحها مع اقتطاع مساحات منها وهندسة قطاع غزة جغرافيًا بما يحول دون إقامة أي دولة فلسطينية مستقبلًا.

أما في أشد خيالات قادة الاحتلال جموحًا فهو المراهنة على أن الحملة العسكرية ستفضي إلى القضاء على المقاومة وتفكيك بنيتها التحتية، في ظل تقديراتها بأن عدد المقاومين المقاتلين لا يتجاوز ثلاثة آلاف فرد. هذا الرهن القائم على «النصر الساحق» لا يقف عند وهم القضاء الكلي على المقاومة بل يشمل أيضًا تهيئة المنطقة لتفعيل خطة التهجير التي أعلنها من قبل دونالد ترامب وتبنَّتها قيادة الاحتلال وباتت تدفع في اتجاهها بشتى السبل.

هذه رهانات الاحتلال التي تقدر القيادات السياسية أنها واقعية ويمكن تحقيقها في أسابيع قليلة وفق ما تُسوِّق للادارة الأمريكية التي يبدو أنها تدرك أكثر من غيرها خلل تقديرات الاحتلال، ولكنها تمضي في دعم خياراته إلى أقصاها مما يكشف أنها لم تعد تفرض جدولا زمنيا عليه أو ضوابط؛ وهذا ينتقل بالإدارة الأمريكية إلى مربع جديد تعلن فيه بكل وضوح أنها تدعم مشروع الاحتلال الأوسع.

فما لا يعلنه الاحتلال ولا الإدارة الأمريكية هو أن الهدف غير المعلن من العملية العسكرية البرية وهذا العنف غير المسبوق الذي رافق يومها الأول هو أشمل من مجرد مواجهة عسكرية مع المقاومة أو أي فصيل أو حركة بعينها. فهو استعراض للقوة لا يهدف فقط إلى القضاء على المقاومة أو السيطرة على غزة كليًا أو جزئيًا أو منع إقامة دولة فلسطينية؛ ما يوجِّهه الاحتلال من تصعيده اليوم هو إعلان بأنه القوة الإقليمية الأبرز في المنطقة التي باتت تعلن عن تسخير نفوذها وهيمنتها وليس عن طموحها بالتسيد عليها.

فالعملية العسكرية ومن قبلها الخطاب السياسي لحكومة الاحتلال وزيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى الاحتلال وما قاله يكشفان جليًا أن خطة إعادة تشكيل الشرق الأوسط سياسيًا وجغرافيًا بما يخدم الاحتلال ويرسخه كقوة مطلقة في الشرق الأوسط قد باتت من وجهة نظر الطرفين في مرحلتها الأخيرة ولم يعد يفصل دون تحقيقها إلا غلق ملف غزة بنصر عسكري أو سياسي للاحتلال. وهو ما يبين أن الطرفين اليوم في غمار إعادة هندسة التوازنات في المنطقة التي شهدت يوم الاثنين إحدى عواصمها وهي الدوحة اجتماع قمة العربية-الإسلامية.

قمة تزامن انعقادها وإلقاء قادة العالم العربي والإسلامي لخطبهم مع زيارة وزير الخارجية الأمريكي للاحتلال ولقاءه برئيس حكومته والادلاء بتصريحات حملت بشكل صريح ومبطن رسائل موجهة لدول المنطقة ومفادها أنه — وإن كانت حليفة للولايات المتحدة الأمريكية — فإنها تظل دون الأهمية الاستراتيجية في نظرها مقارنة بالاحتلال الذي لم تعد اليوم تكتفي بدعمه في حرب إبادة الفلسطيني بل باتت تدعم مشروعه التوسعي الذي يهدد حلفائها في المنطقة.

رسالة تسقط عن الدول العربية وأنظمتها كل آمالهم ومراكماتهم ورهانهم على ان مشروع الاحتلال يقتصر على فلسطين وتجعلهم اليوم يولون وجههم الى غزة املين ان تنتصر المقاومة ، ففي نصرها نصرهم والحلول دون أن يكونوا أهدافًا قادمة للاحتلال

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115