توتر متصاعد بين مصر وأثيوبيا بعد تدشين سد النهضة رسميا نزاع المياه يعود مجددا .. وتحركات دبلوماسية متبادلة في مجلس الأمن

شهدت الأزمة بين مصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة تصعيدا جديدا

الأسبوع المنقضي عقب التدشين الرسمي للسد من قبل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، وهو ما اعتبرته القاهرة خطوة استفزازية تمس أمنها المائي وتؤكد على إصرار أديس أبابا على فرض الأمر الواقع في إدارة نهر النيل.

سارعت مصر، عقب إعلان تدشين السد يوم الثلاثاء الماضي، إلى تقديم شكوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي، متهمةً إثيوبيا باتباع "نهج أحادي" في إدارة النهر وتجاهل الاتفاقات الدولية والمفاوضات التي استمرت لأكثر من عقد. وأكدت القاهرة في رسالتها أن ما وصفته بـ"التصرفات الإثيوبية الأحادية" تمثل تهديدا مباشرا لمصالحها المائية والوجودية، وتُخالف مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
ولم يتأخر الرد الإثيوبي كثيرا، إذ وجهت أديس أبابا خطابا مضادا إلى المجلس، اتهمت فيه مصر بعرقلة جهود التفاوض، وبتبني خطاب "استعماري" عبر تمسكها بما تعتبره "حقوقًا تاريخية" في مياه النيل. وشددت الرسالة على أن إثيوبيا تمارس "حقها المشروع" في الاستخدام العادل والمنصف للموارد المائية المشتركة، في إطار ما تراه التزاماتها بموجب إعلان المبادئ الموقع عام 2015.
من بين أبرز تطورات المشهد، تلويح مصر باللجوء إلى محكمة العدل الدولية للحصول على رأي استشاري بخصوص النزاع، وهو ما اعتبرته الخارجية الإثيوبية محاولة "لتدويل القضية" بشكل يهدد استقرار دول حوض النيل. واتهمت مصر بإلحاق "أضرار تاريخية" بهذه الدول، نتيجة ما وصفته بـ"استغلالها الأحادي" للنهر عبر سنوات طويلة.
في المقابل، أكدت القاهرة أن لجوءها إلى القانون الدولي لا يُعد تصعيدا بل التزاما بمبدأ حل النزاعات عبر الآليات السلمية، مشيرة إلى أن استبعاد الحلول القانونية والفنية من قِبل الجانب الإثيوبي هو ما أدى إلى فشل جميع جولات التفاوض السابقة.
وفي خطابها إلى مجلس الأمن، أعادت مصر التأكيد على أنها لن تتهاون في حماية حقوقها المائية التي ترتبط مباشرة بأمنها القومي واحتياجات شعبها الأساسية. كما أعربت عن رفضها المطلق لأي مساعٍ إثيوبية لفرض سيطرة أحادية على نهر دولي مشترك، داعية المجتمع الدولي إلى التدخل لوقف ما اعتبرته "انتهاكا متكررا" من جانب إثيوبيا لروح التعاون بين دول الحوض.

شد وجذب
ويمثل سد النهضة نقطة تحول في العلاقات بين دول الحوض، لا سيما بعد نحو 14 عاما من بدء بنائه. فبينما ترى إثيوبيا في السد مشروعا تنمويا حيويا لتوليد الطاقة وتحقيق الاكتفاء الكهربائي، تنظر مصر إليه باعتباره تهديدا حقيقيا لموردها المائي الوحيد. أما السودان، فيتأرجح موقفه بين المخاوف من الأضرار البيئية والفرص التي قد يوفرها السد من تنظيم تدفق المياه.
مع دخول سد النهضة الإثيوبي مرحلة التشغيل الكامل، تزداد المخاوف المصرية من تداعيات المشروع على أمنها المائي، في ظل اعتماد البلاد شبه الكامل على نهر النيل كمصدر رئيسي للمياه، في وقت لا تزال فيه المفاوضات بين القاهرة وأديس أبابا والخرطوم متعثرة منذ سنوات.

 

تعتبر مصر أن أي مساس بحصتها في مياه النيل يُعد تهديدا لوجودها، إذ تعتمد بنسبة تقارب 97% على مياه النهر لتأمين احتياجاتها المائية، خاصة في قطاع الزراعة الذي يُعد شريانا حيويا لاقتصاد البلاد. وتشير البيانات الرسمية إلى أن موارد مصر المائية لا تتجاوز 56.6 مليار متر مكعب سنويا، بينما تتخطى احتياجاتها الفعلية 114 مليار متر مكعب، مما يضعها بالفعل تحت ضغط مائي هائل.
في هذا السياق، جاء تحذير الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مؤخرا ليعكس جدية الموقف، إذ أكد خلال خطاب له في أوت أن مصر لن تقبل بأي تهديد لأمنها المائي، قائلًا إن "كل الخيارات مفتوحة" وأن بلاده ستتخذ ما يلزم من تدابير لحماية "مقدراتها الوجودية"، وفق تعبيره، في إطار ما يكفله القانون الدولي.
بالتوازي مع التصعيد الدبلوماسي، وسّعت القاهرة من تحركاتها الإقليمية، خاصة مع الدول المجاورة لإثيوبيا. فقد لوحظ في الأشهر الأخيرة تقارب مصري مع كل من إريتريا والصومال، وسط تقارير عن توتر متزايد في علاقات هاتين الدولتين مع أديس أبابا. ويرى مراقبون أن هذا التقارب يأتي في سياق محاولات مصرية لإعادة التوازن الإقليمي في ملف سد النهضة، والضغط غير المباشر على الجانب الإثيوبي.
أما السودان، فرغم تعقيدات موقفه الداخلي، فقد أكد أكثر من مرة رفضه لأي خطوات أحادية في ملف سد النهضة. وفي بيان مشترك مع مصر نهاية جوان، شدد البلدان على ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن تشغيل السد وآليات ملئه، محذرين من أن استمرار النهج الأحادي من قبل إثيوبيا يقوض الاستقرار في حوض النيل الأزرق.
على مدى السنوات الماضية، تعاقبت مبادرات الوساطة الدولية دون تحقيق اختراق حقيقي. فقد جرت محاولات وساطة برعاية الولايات المتحدة، ثم البنك الدولي، وشاركت فيها لاحقًا روسيا، والإمارات، ثم الاتحاد الإفريقي. إلا أن جميع هذه المساعي فشلت في سد الفجوة بين المواقف الثلاثية، وسط اتهامات متبادلة بالتعنت ورفض التنازلات.

 

في ضوء هذا التعثر، يبدو أن النزاع حول سد النهضة مرشح للاستمرار، مع غياب أي مؤشرات واضحة على حل قريب. وفي حين لجأت القاهرة إلى المحافل الدولية والقانونية، تصر أديس أبابا على المضي قدما في مشروعها باعتباره حقا سياديا، مما يضع المنطقة أمام معادلة حساسة، تجمع بين الحقوق المائية، والسيادة، والتوازنات السياسية في شرق إفريقيا.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115