ومعها وقف التونسيين على مشهد غير مالوف لديهم نقل على منصة التواصل الاجتماعي من داخل القاعة المخصصة لجلسة المحاكمة عن بعد في قضية هزت الراي العام التونسي وكثر الجدل بشانها والذي بات يتعاظم في ظل اجراءات وخيارات تنتهجها السلطة تثير الارتباك والحيرة عن مرادها مما تاتيه.
فما نقل امس من قاعة المحكمة من رفع لشعارات تشكك في استقلالية القضاء وتطالب بالحريات، وما قدمه لسان الدفاع من مرافعات تعلقت بالاساس بالسابقة غير المعهودة في تاريخ القضاء التونسي، بمحاكمة عدد من الشخصيات السياسية بتهمة «التآمر على أمن الدولة» عن بُعد، اعتبرت هيئة الدفاع أنه يمس من جوهر المحاكمة العادلة وحق الدفاع وكل المبادئ التي تاسس عليه القضاء التونسي وفقهه، قبل انت نتنتقل الى محاكمة المنظومة القضائية والسلطات التونسية عن انتهاكهما لحزمة من الحقوق الاساسية لغايات سياسية.
مرافعات تجنبت الخوض في اصل القضية، واختارت ان تصب تركيزها على نقطة وحيدة وهي المحاكمة عن البعد وما تمثله من وجهة نظرهم من انتهاك لحق المتهمين في الحضور والدفاع عن انفسهم مباشرة لا عبر الشاشات، ليقع التشديد على ان المحاكمة لا يمكن ان تستقيم في ظل حرمان المتهمين من حقهم الأساسي في الحضور الجسدي أمام القضاة، وهو حق مكفول في كل الأنظمة القضائية الديمقراطية.
هنا تذهب هيئة الدفاع الى المحاجة على ان الحضور في قاعة المحكمة ليس مجرد إجراء شكلي، بل هو ركن أساسي لضمان حق الدفاع وتكافؤ الفرص بين الادعاء والمتهم اضافة الى جملة من الاجراءات الاخرى التي بغيابها يفتح الباب أمام التشكيك في نزاهة المحاكمة وتصنيفها على انها محاكمة سياسية.
فما يستند اليه المحامون هنا هو السياق السياسي المتوتر والجدل القائم بين السلطة وخصومها بشان استقلالية القضاء او توظيفيه في ظل خطاب رسمي يشدد على انه لا يتدخل في عمل القضاء، سواء في كلمات الرئيس او بيانات وزارة الخارجية، وبين مقولات ترددها المعارضة وتقدم حججا لاثبات ان السلطة توظف القضاء لتصفية الخصوم السياسيين.
في هذا السياق تعقد هذه المحكمة اولى جلساتها التي لا يمكن ان نعزلها عن الجدل الراهن اليوم عن طبيعة هذه المحاكمة والتهم والادلة والحجج التي تسمح بحسم الجدل في الشارع التونسي عما اذا كانت هذه المحاكمة لمساءلة جاناة اقترفوا افعالا مجرمة ام هي امتداد لحملة التضييق على الحريات السياسية وتجريم العمل السياسي برمته.
الاجابة هنا غير ممكنة دون محاكمة تضمن الحد الدنى من العدالة والنزاهة وحق المتهمين في الدفاع عن انفسهم، وهذا لا يتوفر في السياق الراهن الذي بات ما يثير الخشية فيه هو ان تصبح هذه المحاكمة سابقة يقع التاسيس عليها لرسم مسار المحاكمات ذات الطابع السياسي. وتبرير إجراءات قضائية أكثر تشددًا، مثل المحاكمات الاستثنائية أو حتى محاكمات الطوارئ.
اليوم وبانطلاق اولى جلسات المحاكمة عن بُعد في قضية التامر على امن الدولة تدخل البلاد الى مرحلة جديدة سيكون المحدد فيها هو القضاء والوجهة التي سيسلكها والتي اما ان تثبت الانتقادات لفقدان القضاء لاستقلاليته ورضوخه لتدخل السلطة التنفيذية، التي قد تلجأ الى حجج و ذرائع قد لا تكون مقنعة للجميع لفرض اجراءات استثنائية متشدد وجعلها نموذجا يتبع في مثل هذه المحاكمات او في التعاطى مع العمل السياسي.
لهذا فان القضية ليست في تفاصيل هذه المحاكمة فقط، بل في الرسالة التي تبعث بها السلطة إلى المجتمع وما نحن مقبلون عليه من ممارسات سلطوية تستوجب اليوم من الجميع ان يواجهوا اية انحراف.