واكدت مرة نزوع الرئيس الى ضم الملفين الاقتصادي والاجتماعي في اطار سياسته العامة التي اتخذت «حرب التحرير» شعارا مركزيا.
في الساعات الفارطة تكثف حضور الملف الاقتصادي في لقاءات الرئيس وفي خطابه خاصة في لقاءيه برئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة سمير ماجول ووزير التجارة وتنمية الصادرات سمير عبيد، اللذين تحدث اليهما منفصلين حول الاسعار والتحكم فيها.
مرة اخرى ينطلق الرئيس في تقييمه لمسألة ارتفاع الاسعار من نقطة اساسية وحيدة وهي تحكم مسالك التوزيع في السوق عبر الاحتكار والمضاربة، واعتبر ان ذلك لم يعد مقبولا وهذا ما حرص على تبليغه بشكل صريح وواضح الى وزير التجارة حينما طالبه بالقضاء على هذه المسالك «التي تنشط فيها شبكات اجرامية لا يمكن مقاومتها بنشاط يكون موسميا او ظرفيا».
وانتقل من الحديث عن مسالك التوزيع وضعف العمل الرقابي لوزارة التجارة الى تذكير الوزير بان القانون يسمح له ولوزارته باعتماد آلية تسعير السلع والخدمات لتعديل الأسعار في السوق وذلك ما يجب ان تقوم به الوزارة وان تعاقب كل من لا يمتثل لقراراتها.
هنا كشف الرئيس عن قراءته لمؤشرات الاسعار واعتباره ان ارتفاعها مصطنع من قبل شبكات اجرامية تبحث عن الربح على حساب المواطن، مما يعنى ضمنيا الاشارة الى ان تقلبات السوق الدولية وارتفاع التكلفة ليستا السبب في غلاء الاسعار في السوق التونسية.
هنا لمّح الرئيس الى سمير مجول رئيس منظمة الاعراف ووجه اليه خطابا مباشرا وصريحا حول ما تطالب السلطات المنطمة ومنخرطيها، بالالتحاق بـ«حرب التحرير» ولعب دورهم المتمثل في معاضدة جهود الدولة وتخفيض الاسعار، واعتبر ان ذلك مسؤوليتهم ودورهم في بناء تونس وفق نص البيان.
لم تغب في نفس البيان الاشارة الى ما تريد السلطات تسويقه من رسائل طمأنة لرأس المال التونسي ورجال الاعمال باشارة الرئيس الى ان الدستور التونسي لسنة 2022 يضمن تعايش القطاعين العام والخاص على اساس العدل والانصاف، وان الدولة تعمل على تامين المرافق العمومية كسعيها الى تأمين الشروط الضرورية لمناخ استثمار يقوم بالاساس على عدم ابتزاز رجال الاعمال او توظيفهم، في المقابل يكون على رجال الاعمال والمؤسسات الاقتصادية ضمان حقوق العمال كاملة غير منقوصة.
هذا الخطاب السياسي الذي يقدمه رئيس الجمهورية يكشف في تفاصيله وتفرعات محاوره عن تصور اولي للسلطات للملف الاقتصادي وربطه بشكل وثيق بالاجتماعي، بما يهدف، من وجهة نظر السلطة، الى ضمان تحسين اوضاع المعيشة عبر رافدين اساسين تحسين ظروف العمل في القطاعين العام والخاص والضغط على تكاليف العيش.
لتحقيق هذين الهدفين، في ظل توازنات مالية صعبة وهشة لا تسمح لها بهوامش مناورة او تدخل مباشر في السوق بضخ سلع او مواد، يبدو ان السلطات تريد ان يتحمل القطاع الخاص الجزء الاساسي من التكلفة بتخفيض الاسعار وتحسين ظروف العمل والتأجير.
هذه الخطوات التي تراهن السلطات على جعل تاثيرها المباشر ايجابيا على حياة التونسيين، تحمل في طياتها ضغطا اضافيا على القطاع الخاص واثقالا له بتحميل بعض قطاعاته الانتاجية اعباء ارتفاع تكلفة الانتاج، والتي قد تكون آلية ممكنة ومناسبة اذا كانت ظرفية او في ظل اقتصادي استهلاكي يسمح باستيعاب كميات هامة من السلع والمواد بهوامش ربح وعائد استثماري محدود لكنه مستدام.
في وضعنا الراهن يواجه الاقتصاد التونسي تراجعا في الاستهلاك وركودا تضخميا وضغطا جبائيا قد يجعل من تحمل فارق التكلفة او تقليص هامش الربح والعائد الاستثماري خطوة تاتي بنتائج عكسية وهي تفكيك منظومات الانتاج الوطنية