على المشهد برمته فحجب خلف ضجيجه وبريقه واقعا اقتصاديا وماليا متحركا بوتيرة قد لا تبدو ذات شأن أو تاثير أو ان لها تداعيات على المهشد السياسي والاقتصادي العالمي فكيف بالمشهد التونسي.
بعيدا عن صخب السياسة وحدة الخطابات والضجيج والتحركات الدبلوماسية والقرارات التي يصدرها هذا الطرف او ذاك لاهداف متعددة، تتحرك السوق المالية الدولية على وقع الخوف والقلق المتناميين جراء تداعيات الخطوة التي اتخذتها مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى بشان اقراض اوكرانيا بضمان ارباح الاصول الروسية المصادرة.
خطوة تجنبتها اوروبا طيلة الاشهر الفارطة من عمر الحرب، لكنها اليوم تتخذها جنبا الى جنب مع اليابان والولايات المتحدة الامريكية، رغم العواقب التي تدرك ثقلها وحجمها في ظل مناخ سياسي وانتخابي اوروبي القي بظلاله على عملته الموحدة «الاورو» ليزيد من تعقيد المشهد الذي بات عنوانه الرئيسي الحرب الاقتصادية المحتدمة بين الولايات المتحدة الامريكية ودول الاتحاد الاوروبي من جهة والصين من جهة اخرى.
لان المصاعب لا تاتي فرادى اضاف صعود اليمين المتطرف الى البرلمان الاوروبي كذلك القرار الفرنسي بحل البرلمان والدعوة الى انتخابات مبكرة، انتهت بفوز تحالف اليسار بالمرتبة الاولى دون الحصول على الاغلبية، أضاف للمشهد تعقيدات اخرى اثرت مباشرة على سعر صرف الاورو في الاسواق المالية في ظل مخاوف من المشهد السياسي الفرنسي القادم.
وضع كان لوحده كافيا لارباك العملة الاوروبية في السوق الدولية، وهو اليوم يتزامن مع اشكاليات وصعوبات يواجهها الاورو الذي يشهد منذ 2023 تراجعا في حصتة بعد ان تم بيع اصول بالاورو تقارب قيمتها 100 مليار اورو في السنة الفارطة فقط وتسجيل نمو في حصة الدولار من حصة النقد الاجنبي الى جانب «اليووان الصيني» الذي اصبح يشكل اليوم تهديدا مباشرا للاورو في سلة العملات المتداولة في السوق العالمية وذلك في سياق تواجه فيه العملة الاوروبية تهديدات بموجة كبرى من التخلي عنها، خاصة بعد ان قرر قادة المانيا وفرنسا بالاساس اللجوء الى اقراض اوكرانيا بضمان الاصول الاوروبية المجمدة والتي تقدر قيمتها باكثر من 195 مليار اورو بما يمثل 8 ٪ من الاحتياطات العالمية باليورو.
هذا المنحى قد يفقد الاورو موثوقيته في السوق المالية ويؤدي الى موجة تخل كبرى خشية ان يصبح اليورو كما الدولار سلاحا في ايدي الدول المصدرة له. وقد انطلق هذا التمشي منذ اشهر حينما اصدر المجلس العالمي للذهب تقريرا يشير الى تنامي الطلب على الذهب والذي اصبح ينظر اليه كبديل افضل من الدولار والاورو كاحتياطي من قبل البنوك المركزية خاصة في الدول النامية.
هذا الوضع بدوره يكفي بدوره لرسم المشهد المتوتر في السوق المالية التي اصبحت تتفاعل مع كل تطور بتسريع وتيرة تخليها عن العملتين الاوروبية والامريكية والبحث عن تنويع احتياطياتها وذلك ما تجلى في تنامي حصة «اليان الياباني» و«اليووان الصيني». وهذا ما يفسر قرار بنك الشعب الصيني (البنك المركزي الصيني) بانشاء ادوات مالية جديدة لعرضها في السوق المالية المفتوحة.
و قد تؤدي هذه الخطوة الى تعزيز صحة «اليووان الصيني» من ضمن سلة الاحتياطي النقدي العالمي، واذا حصل ذلك سيؤثر بشكل مباشر على سعر صرف اليورو وينعكس على سعر صرف بقية عملات الاقتصاديات الناشئة حسب حجم ارتباطها بالاقتصاد الاوروبي وبسعر اليورو.
في هذا الاطار تواجه تونس مخاطر قد لا تكون من الوهلة الاولى منخفضة في ظل عدة مؤشرات، من بينها حجم الاقتصاد التونسي وحصة الاورو من الاحتياطي النقدي التونسي وحصة اليورو من الدين العام الخارجي لتونس. انخفاض قيمة اليرور قد يكون ذا تاثير ايجابي على مؤشرات الدين الخارجي وعلى نسبته من الناتج الداخلي الخام، خاصة ان اكثر 40 ٪ من الدين التونسي بالاورو، وان اي انخفاض مهما كان طفيفا سينعكس ايجابيا على الدين العام.
هذا التأثر الايجابي مهدد بعنصر اخر وهو توازن الميزان التجاري التونسي ذلك أن اي انخفاض في قيمة العملة الاوروبية سيؤثر على الميزان التجاري التونسي سلبا لأن الاتحاد الاوروبي يعتبر اول مستورد للبضائع التونسية، وأن جل تحويلات التونسيين بالخارج بالاورو، اي ان اي تداعيات سلبية ستنتقل الى تونس عبر هاذين العنصرين، التصدير وتحويلات التونسيين في الخارج.
كما ان تراجع قيمة الاورو سيكون مرتبط بارتفاع في قيمة «اليووان الصيني» او الدولار الامريكي مما قد يؤثر سلبا على الميزان التجاري نظرا لارتفاع محتمل لكلفة استيراد النفظ ومشتقاته كذلك ارتفاع كلفة استيراد المنتجات والبضائع الصينية حيث تعتبر الصين اول مصدر للسلع الى السوق التونسية.
وضع يمكن ان يكون تاثيره محدودا اذا كان الاقتصاد متعافيا وذا قدرة على مقاومة الهزات، وذلك لا يتوفر بشكل كلي للاقتصاد التونسي الذي يعاني من ركود ومن تضخم ومن مصاعب في المالية العمومية، مما يعنى ان التاثير قد يتضاعف حجمه نتيجة للبئية المالية والاقتصادية الراهنة في البلاد، وهذا يتطلب اليوم انتباها من قبل السلطات التونسية لايجاد خطط تتعامل مع السيناريوهات المحتملة لضمان القدرة على المناورة وحسن التصرف لتجنب ان تفاجأ البلاد بازمة محتملة للاورو قد تفاقم من مصاعبها