ولكن سياسة «الصرصار» التي عمدت إليها كل حكومات ما بعد الثورة وخاصة حكومة الحبيب الصيد لم تجلب للبلاد لا زهوا ولا طربا، بل تفاقما للمديونية العمومية وترهلا إضافيا للاقتصاد مما يعسّر اليوم كثيرا من إمكانية نهج سياسة «النملة» أي الانكباب على العمل والادخار للمستقبل...
لا شك أن المرور إلى سياسة «النملة» أمر لا مفر منه إن رمنا لبلادنا الخروج من أزمتها الهيكلية ولكن ما نحتاجه الآن هو سلوك سياسة «أمي سيسي» لكي نحدّ إلى الأقصى من العجز الهيكلي في الميزانية العمومية...
مقترحات حكومة الشاهد تندرج جلّها في هذه السياسة «فليّس مع فليّس»: حد جزئي من تفاقم كتلة الأجور وترفيع في الضرائب على المؤسسات وكذلك في بعض الأداءات على السلع والخدمات ولكن ما ينقص سياسة الدولة هنا هو مراجعة ما يسمى بــ«نسق عيشها» أي تصرفها في مختلف مواردها المادية والبشرية...
لقد بدأت حكومة الشاهد بتخفيض هام في رواتب الوزراء وكتاب الدولة... وهذا الأمر على أهميته غير كاف إذ ينبغي أن تتجنب الدولة ممثلة في كل إداراتها ومؤسساتها تبذير المال العام وأن تقوم بحملة تقشفية واسعة النطاق وألا تستهين بكل دينار يمكن اقتصاده خاصة ونحن نتكلم هنا عن إمكانية اقتصاد عشرات ملايين الدنانير إن لم يكن أكثر من ذلك...
ينبغي أن تقوم الدولة بتدقيق مفصل في كل مجالات إنفاقها فتقضي على كل تبذير وتؤجل كل إنفاق غير ضروري... ولها في ذلك أبواب عديدة للاقتصاد منها تمثيلياتنا الاقتصادية في الخارج فنحن ندفع ملايين الدنانير على تأجير مكاتب فخمة وأجور بالعملة الصعبة والحال أنه بالإمكان تخصيص مكتب في سفارتنا لكل تمثيلية اقتصادية وذلك سيدر علينا فوريا عدة ملايين من الدنانير دون أن يكون في ذلك أي تأثير سلبي على هذه التمثيليات بل العكس تماما إذ تجميع مكاتب متفرقة في موقع واحد (السفارة) علاوة على ترشيد المال العام سوف يسهم في تنسيق السياسات العمومية وإعطائها أكثر فاعلية...
هنالك أيضا السيارات الإدارية بصنفيها (السيارات الوظيفية وسيارات العمل الإداري) وبإمكان الدولة هنا الاقتصاد لا في العدد بل في نوعية السيارات والتخفيض....