وبذلك يصبح عدد دول الاتحاد الأوروبي المعترفة بدولة فلسطين 12 دولة ليصبح عدد دول العام المعترفة بدولة فلسطين 140.
حدث له من الاهمية ما يتجاوز ظاهره لما يخلفه من انطباعات ايجابية لدى من ينتصر للقضية الفلسطينية. قرار الثلاثي الأوروبي في السياق الراهن يتجاوز أثره اعتراف السويد في 2014 باعتبارها أول دولة تعترف بدولة فلسطين وهي عضو في الاتحاد الأوروبي، او اعتراف 8 دول وهي بلغاريا، وقبرص، وجمهورية التشيك، والمجر، وبولندا، ورومانيا، وسلوفاكيا، ومالطا بدولة فلسطين قبل انضمامها للاتحاد.
هذا الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، حتى وإن كان في جوهره قرارا سياسيا، له دلالاته الرمزية التي دفعت بمختلف مكونات المشهد الفلسطيني إلى الاحتفاء به اكثر من احتفائها بتصويت الجلسة العامة للأمم المتحدة على الاعتراف بدولة فلسطين ومطالبة مجلس الأمن بإعادة النظر في طلب قبول العضوية الكاملة.
مرد هذه الحفاوة ان هذه الخطوة التي أقدمت عليها ثلاث دول لها ثقلها ووزنها في المشهد الأوروبي، من من شأنها أن تحث دولا اوروبية اخرى على الاعتراف بدولة فلسطين، خاصة وأن 11 من دول الاتحاد أوصت برلماناتها في 2013 و2014 حكوماتها بالاعتراف بدولة فلسطين، منها بلجيكا عاصمة الاتحاد، كما انها قد تدفع بالاتحاد الى انتهاج سياسات أكثر دعما للحق الفلسطيني، سيما وان نصف دول الاتحاد باتت اليوم تعترف رسميا بدولة فلسطينية على كامل أراضي 67.
أهمية الحدث ليست في الرمزية السياسية التي تراكم على رمزية إعلان قيام دولة فلسطين في 1985 من العاصمة الجزائرية، وذلك بإعلان المجلس الوطني الفلسطيني في 15 نوفمبر 1988، عن «وثيقة الاستقلال»، التي اعترفت بها 85 دولة قبل ان تتوسع القائمة خلال العقود الاربعة الفارطة، ليكون عدد الدول المعترفة 140 دولة من أصل 193 دولة اعضاء في الأمم المتحدة.
أهمية الحدث تكمن في التوقيت الذي تم فيه، فمنذ بداية السنة الجارية استأنفت السلطة الفلسطينية جهودها للانضمام بصفة عضو كامل في الأمم المتحدة لكنها كانت تواجه «رفضا» امريكا يسوق تحت حجة ان الاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة ذات سيادة لا يمكن ان يتم دون اتفاق ثنائي بين فلسطين والكيان المحتل، وذلك ما بررت به لجوءها إلى حق النقض في مجلس الأمن لإسقاط القرار الجزائري.
هنا تكمن أهمية القرار اذ يمثل ضغطا مضاعفا على دول اوروبية ابرزها فرنسا وألمانيا لتدفعها الى البحث عن توافق اوروبي في هذا الصدد لتجنب تناقض السياسات الخارجية او محاولة فرض خيار دون اخر، ذلك ما التقفتاه منذ فترة حينما رصدتا تحرك رئيس الوزراء الاسباني وجولته الاوروبية لحشد الدعم لدولة فلسطين.
مع انطلاق حرب الابادة في حق الفلسطينيين في غزة استأنفت الحكومة الاسبانية سياستها القائمة على دفع الاتحاد الأوروبي إلى الاعتراف بدولة فلسطينية واعتماد ذلك في رسم سياساتها الخارجية، وذلك ما حرصت الحكومة الإسبانية بقيادة بيدرو سانشيز عليه خلال الاشهر الفارطة التي حملت تلويحا اسبانيا بالاعتراف بدولة فلسطينية بشكل احادي اذا لم يستجب الاتحاد الاوروبي لمقترحها.
هدف دفع الحكومة الاسبانية الى زيارة دول أوروبية عدة لمناقشة مقترحها وكانت اخر الزيارات تلك التي تمت في افريل الفارط وشملت بولونيا والنرويج وإيرلندا، والتي كان عنوانها « نحو الاعتراف بفلسطين»، ومن قبلها وفي في 22 مارس 2024، ومن قبلها وفي 22 مارس 2024 حينما نشر بيان لاربعة رؤساء حكومات اوروبية على هامش اشغال قمة اصدروا بعدها إعلاناً مشتركاً أوضحوا فيه أنهم «مستعدون للاعتراف بفلسطين» وهم قادة ايرلندا ومالطا وسلوفينيا وإسبانيا. والقصد هنا انهم حثوا الاتحاد الاوروبي على الاعتراف بدولة فلسطين.
هنا تكمن اهمية الخطوة الاسبانية فهي تدفع مؤسسات الاتحاد الأوروبي الى حسم موقفها والكشف الصريح عما اذا كانت تتبنى الاستراتيجية الامريكية الساعية الى تحقيق مكاسب للاحتلال على حساب الفلسطينيين، وهذه من التأثيرات الاخرى للقرار الثلاثي، بوضع دول اوروبية في موقف صعب ودقيق لكنه يمثل خيارا بديلا عن الذي تطرحه الإدارة الأمريكية منذ سنوات.
هنا تكمن الأهمية، محاولة الولايات المتحدة ان تكون الوسيط المؤثر الوحيد في العملية السياسية وفي مسار الاعتراف بدولة فلسطين، من منطلق حماية مصالح الاحتلال سيجعلها في وضعية صعبة تتناقض فيها خياراتها الاستراتيجية مع خيارات حلفائها الأوروبيين وهم أبرز مكونات حلف الناتو، في وضع جيوسياسي حرج يهدد الهيمنة الامريكية وعالم أحادي القطب.
هنا تكمن اهمية القرار في كونه يضرب الخيار الأمريكي في مقتل ويجبر الادارة الامريكية على مراجعة سياساتها وتعديلها نسبيا لتجنب تدحرج كرة الثلج.
كرة ثلج تدحرجت اليوم في علاقة بدولة الاحتلال التي باتت وبشكل جلي تفقد حلفاءها تباعا وتعزل في المشهد الأوروبي أساسا، مما يشكل أخطر تحد استراتيجي له، فمع العزلة المتوقعة في علاقة بالدول التي اعترفت بدولة فلسطين، يبدو ان مسار ملاحقة الاحتلال قد ينطلق في المحاكم الأوروبية وقد يفضى الى عقوبات أو قرارات مقاطعة اقتصادية ومنع تصدير الأسلحة والتكنولوجيا المرتبطة بالانتاج الحربي