تلتقي لتشكّل مجالا مركبا للفعل يهدف الى ادارة الشان العام في شموليته عبر سياسات عمومية تهدف نظريا الى تنظيم تقاطع المجالات وتنظيمها عبر النقاش العام المخصص او المفتوح.
هذا ما يقودنا اليوم الى النظر الى مرسوم عدد 54 في سياقه السياسي وما انجرت عنه من اثار مباشرة او غير مباشرة، لتقييمه بعيدا عن الاصطفافات السياسية التي تدفع من ينجرف فيها الى التناقض الكلي وعدم فسح المجال الى نقاش عقلاني يفضى الى معالجة اي اشكال متى اتفق على وجوده.
هذا الاشكال تقر به اليوم اكثر من جهة، اذ تشير مختلف المنظمات وعلى رأسها نقابة الصحفيين واتحاد الشغل وعمادة المحامين والرابطة التونسية لحقوق الانسان ونقابة القضاة بوضوح الى مكامن الخلل فيه والى التداعيات القانونية التي احدثها المرسوم الذي تؤكد هذه المنظمات على تعارضه مع دستور 2022 ومع المعاهدات والمواثيق الدولية التي صادقت عليها الدولة التونسية.
ويمكن اختزال تعارض فصول المرسوم مع الدستور ومع المعاهدات في ما ورد في تقارير الجمعيات والمنظمات المعنية بمجال الحقوق والحريات، بقولها بـ «انه يضيق على حق دستوري يتمثل في حرية التعبير، وانه يتعارض مع مجلة الاجراءات الجزائية» التي تعتبر أن قضايا التعبير والنشر جنح وتحصر الحالات التي يمكن تكييفها مثل على أنها جرائم جزائية في حالات محدّدة بشدة جلها تتعلق بخطاب الكراهية والتحريض على العنف او الدعوة اليه باي شكل من الاشكال وتحت اي مسمى.
كما تعتبر الطبقة السياسية كذلك المعارضة لمسار 25 جويلية ان المرسوم يتعارض مع فصول الدستور كذلك المساندون والمنخرطون في المسار. وهنا قد يكون تحرك نواب مجلس الشعب وطرحهم لمبادرة تشريعية لتعديل المرسوم اضافة الى التعليل الذي قدموه عينة تبين التقاطع بين داعمي المسار ومعارضيه كذلك المنظمات والجمعيات في الاشارة الى وجود خلل في نص المرسوم الذي يقضى بعقوبات زجرية سالبة للحرية مع ترك باب التأويل وتكييف الفعل مفتوحا امام النيابة العمومية او اية جهة تلجأ الى توظيف المرسوم لتحقيق غاياتها.
خلل تم التفطن اليه من قبل جل الفاعلين في المشهد السياسي والذين اتفقوا على توصيفه بذلك حينما تم ايقاف عميد أطباء البياطرة أحمد رجب والاحتفاظ به قبل ان يصدر قرار بتتبعه بحالة سراح في القضية التي رفعها ضدّه وزير الفلاحة على معنى المرسوم 54، وذلك بعد ان ادلى العميد بحوار صحفي الى صحيفة «الصباح» اشار فيه الى وجود مخاطر تهدد قطاع تربية الماشية اذا لم تتفاعل الوزارة مع المطالب التي تتضمن مراجعة تعريفة تطعيم قطيع الماشية واعتبار ان التعريفة القديمة لم تعد متطابقة مع التكاليف كما انها باتت تضر بالتوازانات المالية للبياطرة.
في هذه الحالة التي وقع اللجوء فيها الى المرسوم عدد 54 لتتبع عميد البياطرة، كما في غيرها من الحالات التي اعتمد فيها نفس المرسوم ـ رغم الاختلافات فى التعاطي معهاـ التقى جزء واسع من التونسيين مهما اختلفت مشاربهم وانتماءاتهم ومواقفهم من السلطة في اعتبار ان التكييف القانوني لاحالة العميد تم بقراءة توسعية لمعاني فصول المرسوم ون هذه القراءة التي - لا يتضمن المرسوم اي تحديد لضوابطها ولا لحدودها- يجب ان تضبط لمنع تكرار التاويل عبر قراءة تتجاوز منطوق النص.
هنا قد يكون استعراض الحالات التي وقع اللجوء فيها الى المرسوم عدد 54 حالة بحالة لتقييم نجاعته اواثره القانوني والسياسي والمجتمعي، غير ممكن لعدة اعتبارات تتعلق بحجم البيانات المحدود والذي لا يسمح بمثل هذا التقييم لعدم وجود احصائيات دقيقة تكشف عن عدد الذين تمت ملاحقتهم على معنى هذا المرسوم أوعلى الفعل الذي ارتكبوه والتكييف القانوني الذي اعتمد أو على مجريات التقاضي، هناك فقط توجد عدة امثلة تبين ان هذا المرسوم اعتمد لملاحقة نشطاء ومدونين وصحفيين وسياسين ونقابيين ومواطنين لمجرد اعرابهم عن مواقف نقدية للسلطة او مجرد مواقف ساخرة في بعض الاحيان من احداث معينة او من شخصيات سياسية.
حالات تلتقي في ان جل المحالين على معنى المرسوم وجهوا نقدا الى سلوك او الى خيارات سياسية صدرت عن السلطة او عن هيئة الانتخابات او انتقدوا سياسات عمومية وقدموا خطابا مغايرا للخطاب الرسمي في عدة ملفات، فتمت ملاحقتهم بمضمون الفصل 24 من المرسوم.
هذا التقاطع بين مختلف الفاعلين في المشهد والناشطين وعلى راسهم نواب البرلمان قد يقدم مؤشرا هاما على اهمية مراجعة المرسوم وتعديله لوضع حد للقراءة التوسعية التي ادت الى ان يكون المرسوم عنصر توتير للمناخ السياسي العام