سأبني لكم فوق سقف الصهيل ثلاثين نافذة للكناية، فلتخرجوا من رحيلٍ لكي تدخلوا في رحيل.. تضيق بنا الأرض أو لا تضيقُ .. سنقطع هذا الطريق الطويل إلى آخر القوس.. فلتتوتر خطانا سهاماً .. أكنا هنا منذ وقتٍ قليل وعما قليل سنبلغ سهم البداية؟ دارت بنا الريح دارت، فماذا تقول؟ أقول: سأقطع هذا الطريق الطويل إلى آخري وإلى آخره» هذا طريق الراحل محمود درويش، طريق يتشابه في هدفه وتعبه طرقاتنا..
ولكل منا حكاية طريق..
يسرى مارديني، فتاة دمشقية، سبّاحة، حفرت طريقها في البحر هربا من الموت.. دمّرت الحرب الطاحنة في سوريا منزلها وفقدت كل شيء، اضطرت للفرار.. ذهبت إلى لبنان ومنه إلى تركيا مع شقيقتها، واستقلتا قاربا مع عشرين شخصا إلى جزيرة لزبوس اليونانية، وإما ان توغّل القارب في عمق البحر حتى تعطّل.. كاد القارب يغرق وكان القدر يطبق.. الموت تحت القصف أو الموت غرقا في البحر.. يسرى ذات الثامنة عشر ربيعا، تنزل من القارب رقة أختها ورجل آخر.. جروه طلية ثلاث ساعات من السباحة في البحر، في تلك المياه الباردة المظلمة..
«كنّا باليد ماسكين أنا وأختي، وعم نسحب القارب باليد التانية ونسبح «رجل صدر».. شكرا لإعطائنا الأمل لأننا مازلنا بشر.. زعلت اني ما رح احمل علم بلادي لكن نريد أن نرسل رسالة أمل إلى العالم
اشتقت إلى دمشق وسأرجع لها يوما ما.. أريدهم ان يتذكروا أحلاهم.. لأن الكثير هنالك نسوها»..
هكذا تحدّثت يسرى بلهجتها السورية أمام كاميرات العالم عندما تأهلت إلى المشاركة في الأولمبياد في البرازيل.. بعدما أعطتها ألمانيا اللجوء حيث تدربت هنالك وترشحت ضمن فريق اللاجئين.. فريق اللاجئين في أولمبياد وحيث شاركت في سباق 100 متر سباحة حرة وسباق100 متر فراشة.. وفازت في الجولة الأولى غير أنّ الرقم الذي حققته لم يأهلها إلى نصف نهائيات ألمبياد ريو..
حكاية يسرى مارديني هي حكاية جديدة تعلّمنا أنّ العالم ليس مشرقا دائما، بل هو مكان غاية في الوحشية و الحقارة، ولكن.. أن تسبح في البحر المتوسط طيلة ثلاث ساعات، والبرد ينهش عظامك والجوع يقرص معدتك، والخوف ينخر كبدك، ثم تصل إلى برّ النجاة..
فمهما كانت الضربات قاتلة، كاسرة، مدّمرة، ربما ستركع يوما ما لشدّتها مهما كنت جبارا، مهما كنت صلبا، غير أنّ الأمر لكن لا يتعلق بمدى قسوة الضرب، لا يتعلق بمدى الألم الذي تتعرض له، بل يتعلق الشرف بمدى تحملك للضرب واستمرارك في التقدّم رغم الوجع...
الوجع مهما يطل هو دائما أبدا يبقى مؤقتا، قد يطول أحيانا لكنه في النهاية يندثر لا محالة، أن تصمد دائما ذلك هو الطريق وأن تستسلم ولو ثانية فستستسلم للأبد.. نعم، فـ»إن كان لديك حلم فقاتل لأجله»
فإن نتسلق ونتشبّث ولو سنتمترا أو حتى ملميترا إلى الأعلى أفضل يرهقنا ويخيفنا الصعود..
وكما قيل «الموهبة موجودة في داخلنا فطريا أما المهارات فلا تأتي إلا بالتعب» وتحمّل الضربات القاتلة حتى لو كانت هذه الضربات ساعات تلو الساعات من العمل..