• كيف بدأت علاقتك بالموسيقى؟ ولماذا اخترت هذا العالم مع أنّك درست الرياضيات وتفوقت فيها؟
منذ كنت صغيرا كنت أعزف على آلة العود، تعلّمت ونهلت من المدرسة الكلاسيكية، على غرار أم كلثوم وصباح فخري وغيرهم.. بعد حصولي على بكالوريا رياضيات، قررت أن أدخل إلى المعهد العالي للموسيقي، رغم أني كنت متفوقا في الرياضيات إلا أنّ حبي للموسيقى أكبر..عندما أنهيت دراستي بدأت اكتشاف مأساة الموسيقيين اليوم، وهي تلك الجدلية التي نرجو أن يدحضها الزمن يوما ما، وهي إما أن تصبح «عرابني» أو أن تواصل البحوث في عالم الموسيقى والجيب فارغ مع أنّ القلب مليء بالطموح والإحساس والفن..
بدأت بجمع بعض القصائد أو حتى الجمل التي يمكن أن أتنفسها موسيقيا، وهذا ما أسميه بـ»الهربة».. هي ليست هروبا بقدر ما هي تعمّق في آلهة الموسيقى، هي هروب داخل الأوتار التي تفكّر وتحس.. من فتح لي الباب هو محمد كسكاس، لديه أستوديو ودعاني أن أسجل فيه «هرباتي» هذه، فالفكرة لم تكن مطروحة من الأوّل لعدّة اعتبارات، محمد كسكاس سمع أغنيتي «اعتذاري لهيبة دولة» شعر محمد شاكر بن ظية، أعجبتني الكلمات كثيرا، أحسست بقوّة رهيبة تتغلغل بين الكلمات، فلحنتها، وسجلتها.. وأنزلتها على اليوتوب.. في يوم طلب مني محمد كسكاس أن أسّجل مجموعة من الأغاني، وبدأت بأغنية «كايني» التي غنّتها نسرين جابر.. ثم سجّلت العديد من الأغاني، أو لنقل ما أسميه «فلتاتي» أو «هرباتي»، اشتغلت على هذه الأغاني حوكي وحرايري.. المأساة هي أنّ هذه الأغاني لقيت رواجا في مواقع التواصل الاجتماعي وفي جيبي صفر مليم..
• كيف جاءت فكرة عرض ديسلاكسيا؟
قبل كل شيء غصت في الموسيقى، الموسيقي التي أصبحت عالمي رغما عنّي.. عديدة هي الأسئلة التي شغلتني: من أنا وما الذي أريد أن أفعله؟.. كيف يجب أن يكون شكل العمل، عمل كما أرتضيه، وعمل على الأقل يستطيع أن يلملم مصاريفه.. فلكي أضمن استمراريتي يجب أن أضمن إنتاجي، لذلك أنجزت بجهد جهيد استوديو خاص بي، أشتغل فيه وأبحث.. عندها جاءت أغنية «ما نعرفش».. هذه الأغنية هي أشبه بمونولوغ، أو لنقل هي تساؤل بيني وبين ضميري، هو يسأل وأنا أجيب..هي عبارة عن نقد لعالم الموسيقى في تونس.. هي تمزّق بين المنشود والموجود، هي محاولة لكسر القيود التي تكبلنا من خلال القيود ذاتها.. هي محاولة لتخطي الصعاب رغم الصعاب.. ربما أغنية «ما نعرفش» تعرف الكثير وتعترف بالكثير.. شكلا ومضمونا وإحساسا فنيا..
فكرة «كعور وعدّي للأعور» كما يقول المثل الشعبي لا تستهويني، بل أبحث حقا عن قيمة العمل، أريد أن يسمع الناس شيئا لم يسمعوه من قبل، مفعمة بحرارة روحي.. أردت من خلال كل ما عملت أن أطبع بصمتي أنا على الأغاني، من يسمعها يقول هذه لمحمود التركي..
لكي نستطيع أن نجابه الواقع الذي نحن فيه، يجب أن ننتج، كذلك يجب أن نعمل على عرض حي، ما يضمن حياة الفنان والموسيقي.. بدأت منذ أكثر من سنتين لكي أقوم بعرض حي، عملت شيئا فشيئا.. قاومت بشدّة العمل كـ»عرابني»، لأني أؤمن بفني وبنفسي..
لي عرض جاهز، كما قلت في ورقة العرض، أنّ عرض ديسلاكسيا»هو عرض يحتوي على زبدة تجربة بحثي الفني، أستطيع أن ألخصه في مجموعة أعمال ذات أشكال تعبيرية مختلفة سواء على المستوى الموسيقي أو على مستوى الكلمات والمواضيع والتي تتراوح بين الجـاد والهـزلي. ينفرد هذا العرض بــــــديناميكية مميّزة ناتجة عن تزاوج اختصاصات فنية مختلفة (فيديو، فن ركحـــي...) يحتويها مجال صوتي يجمع بدوره بين اختصاصات موسيقية متعددة (الموسيقى الوترية المقامية، الموسيقى الالكترونية، الموسيقى البوليفونية، الغناء الغربي الكلاسيكـــي.. العرض هو انعكاس لحلم جيل بأكمه وإجابة عمّا يحصل في تونس اليوم..
وأنتم رافقتمونا ونحن نعمل على العرض، عرض يمكن أن يكون ضخما ويمكن أن يكون اكتشافا جيدا، ضخامة العرض تقف على الدعم، لأنّه يمكن أن يكون عرضا صغيرا في حجمه نظرا لقلة الإمكانيات لكن أؤكد أنه كبير في ثقله بشهادة العديد من الموسيقيين والأساتذة الذين واكبوا عمليات “البروفة”، وما زلنا مع الأسف ننتظر الدعم وهذا ما يؤلمني فعرضي مازال ينتظر رحمة الدعم..
محمد أمين الميستاوي، صديقي، وعازف عود وغيتارا، يعيش نفس وضعي، وضع الموسيقي الذي تضيع أحلامه أمامه، اقترحت عليه أن ينظّم إلى نواة العمل، فوافق.. وبدأنا الحلم، ومقاومة الوضع السائد المحبط.. حتى لا نموت كمدا في وطننا..
• كيف ترى تعامل وزارة الثقافة مع المبدعين الشباب؟
هنالك مؤشرات عديدة ومطمئنة على قبول عرضي، وزارة الثقافة بها وعليها، ما أعيبه على كل الوزرات وليست وزارة الثقافة بحد ذاتها هي بيروقراطية الإدارة التي خنقتنا وخنقت الوطن معها.. هنالك من يقول :أين هي وزارة الثقافة التي ما فتئت تتحدث عن تشجيع الشباب، والتي تتحدّث عن إيمانها بالأعمال التي تعنى بالهوية التونسية؟ أين هي وزارة الثقافة التي تتحدّث عن احتضان ....