توفيق الجبالي عمود صامد شامخ من أعمدة المسرح التونسي، في منتصف الستينيات كانت البداية.. وكحال البدايات، ولد حلم في تلك السنوات، وترعرع ليكون مسرحا يسافر بنا إلى أفق أكثر انفتاحا، ليكون مسرحا يصالحنا مع أجسادنا وذواتنا، ليكون مسرحا ناقدا شرسا ساخرا، ليكون مسرحا يؤمن بالتغيير وبوطن أرقى...
توفيق الجبالي ولد في سنة 1944 بمدينة قصر هلال، درس فن المسرح بين تونس وفرنسا.. ومازال يدّرسه سواء لطلبته، أو للمواطنين لا من خلال عروضه المسرحية المختلفة، ولكن من خلال شراسته ونقده ودعواته لتحرّر الإنسان.. لا تمرّ شاردة ولا واردة إلا وتوفيق الجبالي بالمرصاد.. إنه مرصاد ومنظار المثقفّ الذي لا بدّ أن يكون مؤثرا فاعلا في مجتمعه.. فلا مجال لمثقف يتعالى عن مشاغل مجتمعه في مملكة توفيق الجبالي..
في السبعينيات كان المسرح الجديد، وكان الجبالي يحوم بين رحاب التجريب، وكانت أيضا السياسة خشبته التي صقلها بفأس النقد وفكرته التي نبشها بخطاب الشكّ.. لم يخجل ولم يسكت ولم يجامل، ولم يرقّع، ولم يدر ظهره لأي مادة سياسية قابلة للنقد.. يقطع توفيق الجبالي بحدّ لسانه ما لا يستطيع السيف أن يقطعه.. ويعالج بمسرحه ما لا يستطيع طبيب أن يعالجه.. إنها عبقرية المسرح وزلزلته..
مسرحية كلام الليل
لم يكن توفيق الجبالي في مسرحية «كلام الليل» مع رفاقه، مجرّد ناقد، ساخر من الظواهر الاجتماعية والأحداث السياسية، بقدر ما كان حاملا لمشروع ملؤه التحرر في وطن حر، عندما يتحرّر الإنسان من قيوده الداخلية والخارجية، وعندما يدفن بعيدا الأحكام الأخلاقية، وعندما يشرّح كل مسألة حتى وإن كان التشريح موجعا مؤلما، وعندما يتعلّم الإنسان كيف يتنفس ليعيش، وكيف ينظر ليرى، وكيف يفكّر ليكون إلاه نفسه.. عندها يكون «كلام الليل» كلام كل الأوقات.. عندها أيضا لا يبالي توفيق الجبالي حتى لو كفروه.. وهذا ما حدث مع «كلام الليل»..
يقول توفيق الجبالي «كلام الليل بدأت تجربة مسرحية هامشية، يعني جاءت في وقت غير منتظر، بدأت التجربة عام 1989.. أردت أن نخرج عن....